للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سَبَبًا فِي حِمَايَتِهِ، فَهُوَ حَامٍ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ، كَانُوا يَجْعَلُونَ عَلَيْهِ رِيشَ الطَّوَاوِيسِ وَيُسَيِّبُونَهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ السَّائِبَةِ لَا يُؤْكَلُ حَتَّى يَمُوتَ وَيُنْتَفَعَ بِوَبَرِهِ لِلْأَصْنَامِ.

وَقَوْلُهُ: وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ الِاسْتِدْرَاكُ لِرَفْعِ مَا يَتَوَهَّمُهُ الْمُشْرِكُونَ مِنِ اعْتِقَادِ أَنَّهَا مِنْ شَرْعِ اللَّهِ لِتَقَادُمِ الْعَمَلِ بِهَا مُنْذُ قُرُونٍ. وَالْمُرَادُ بِالَّذِينَ كَفَرُوا هُنَا جَمِيعُ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُمْ يُكَذِّبُونَ فِي نِسْبَةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إِلَى شَعَائِرِ اللَّهِ لِأَنَّهُمْ جَمِيعًا يُخْبِرُونَ بِمَا هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْوَاقِعِ. وَالْكَذِبُ هُوَ الْخَبَرُ الْمُخَالِفُ لِلْوَاقِعِ.

وَالْكُفَّارُ فَرِيقَانِ خَاصَّةٌ وَعَامَّةٌ: فَأَمَّا الْخَاصَّةُ فَهُمُ الَّذِينَ ابْتَدَعُوا هَذِهِ الضَّلَالَاتِ لِمَقَاصِدَ مُخْتَلِفَةٍ وَنَسَبُوهَا إِلَى اللَّهِ، وَأَشْهَرُ هَؤُلَاءِ وَأَكْذَبُهُمْ هُوَ عَمْرُو بْنُ عَامِرِ بْنِ لُحَيٍّ- بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ- الْخُزَاعِيُّ،

فَفِي الصَّحِيحِ قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرِ بْنِ لُحَيٍّ الْخُزَاعِيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ- بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ- أَيْ أَمْعَاءَهُ فِي النَّارِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ

. وَمِنْهُمْ جُنَادَةُ بْنُ عَوْفٍ (١) .

وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّ مِنْهُمْ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ هُوَ أَوَّلُ مَنْ بَحَرَ الْبَحِيرَةَ وَأَنَّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رَأَيْتُهُ مَعَ عَمْرٍو فِي النَّارِ. رَوَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ. وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ أَوَّلُ مَنْ بَحَرَ الْبَحِيرَةَ وَسَيَّبَ

السَّائِبَةَ

. وَأَصَحُّ الرِّوَايَاتِ وَأَشْهَرُهَا

عَنْ رَسُولِ اللَّهِ: أَنَّ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ أَوَّلُ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ وَلَمْ يَذْكُرِ الْبَحِيرَةَ.

وَأَمَّا الْعَامَّةُ فَهُمُ الَّذِينَ اتَّبَعُوا هَؤُلَاءِ الْمُضِلِّينَ عَنْ غَيْرِ بَصِيرَةٍ، وَهُمُ الَّذين أريدوا بقول: وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ. فَلَمَّا وُصِفَ الْأَكْثَرُ بِعَدَمِ الْفَهْمِ تَعَيَّنَ أَنَّ الْأَقَلَّ هُمُ الَّذِينَ دَبَّرُوا هَذِهِ الضَّلَالَاتِ وَزَيَّنُوهَا لِلنَّاسِ.

وَالِافْتِرَاءُ: الْكَذِبُ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ

فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ


(١) هُوَ جُنَادَة بن أُميَّة بن عَوْف من بني مَالك بن كنَانَة وهم نسأة الشُّهُور. وجنادة هَذَا أدْركهُ الْإِسْلَام وَهُوَ الْقَائِم بالنسيء.