الْبَوَادِي فَقَدْ جَاءَ خَالِدُ بْنُ سِنَانٍ نَبِيًّا فِي بَنِي عَبْسٍ، وَأَمَّا حَنْظَلَةُ بْنُ صَفْوَانَ نَبِيءُ أَهْلِ الرَّسِّ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ رَسُولٌ لِأَنَّ اللَّهَ ذكر أهل الرُّسُل فِي عِدَادِ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ ظَهَرَ بِقَرْيَةِ الرَّسِّ الَّتِي تُسَمَّى أَيْضًا (فَتْحَ) بِالْمُهْمَلَةِ أَوْ (فَتْخَ) بِالْمُعْجَمَةِ أَوْ (فَيْجَ) بِتَحْتِيَّةٍ وَجِيمٍ، أَوْ فَلْجَ (بِلَامٍ وَجِيمٍ) مِنَ الْيَمَامَةِ.
وَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ مِنْ أَحْوَالٍ، أَيْ مَا أَرْسَلْنَا نَبِيًّا فِي قَرْيَةٍ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ إِلَّا فِي حَالِ أَنَّنَا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي الْكَلَامِ إِيجَازُ حَذْفٍ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَضَّرَّعُوا قَبْلَ الْأَخْذِ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ، فَالتَّقْدِيرُ: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيءٍ إِلَّا كَذَّبَهُ أَهْلُ الْقَرْيَةِ فَخَوَّفْنَاهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذِلُّونَ لِلَّهِ وَيَتْرُكُونَ الْعِنَادَ إِلَخْ ...
وَالْأَخْذُ: هُنَا مَجَازٌ فِي التَّنَاوُلِ وَالْإِصَابَةِ بِالْمَكْرُوهِ الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ، وَهُوَ مَعْنَى
الْغَلَبَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٤٢] .
وَقَوْلُهُ: بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ تَقَدَّمَ مَا يُفَسِّرُهَا فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٤٢] .
وَيُفَسَّرُ بَعْضُهَا أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٧٧] .
وَاسْتَغْنَتْ جُمْلَةُ الْحَالِ الْمَاضَوِيَّةُ على الْوَاو و (قد) بِحَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ، فَلَا يَجْتَمِعُ مَعَ (قَدْ) إِلَّا نَادِرًا، أَيْ: ابْتَدَأْنَاهُمْ بِالتَّخْوِيفِ وَالْمَصَائِبِ لِتَفُلَّ مِنْ حِدَّتِهِمْ وَتَصْرِفَ تَأَمُّلَهُمْ إِلَى تَطَلُّبِ أَسْبَابِ الْمَصَائِبِ فَيَعْلَمُوا أَنَّهَا مِنْ غَضَبِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَيَتُوبُوا.
وَالتَّبْدِيلُ: التَّعْوِيضُ، فَحَقُّهُ أَنْ يَتَعَدَّى إِلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي بِالْبَاءِ الْمُفِيدَةِ مَعْنَى الْبَدَلِيَّةِ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي الْمَدْخُولُ لِلْبَاءِ هُوَ الْمَتْرُوكَ، وَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمَأْخُوذَ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٦١] ، وَقَوْلِهِ: وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٢] ، لِذَلِكَ انْتَصَبَ الْحَسَنَةَ هُنَا لِأَنَّهَا الْمَأْخُوذَةُ لَهُمْ بَعْدَ السَّيِّئَةِ فَهِيَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ وَالسَّيِّئَةُ هِيَ الْمَتْرُوكَةُ، وَعَدَلَ عَنْ جَرِّ السَّيِّئَةِ بِالْبَاءِ إِلَى لَفْظٍ يُؤَدِّي مُؤَدَّى بَاءِ الْبَدَلِيَّةِ وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute