وَعَبَّرَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ بِ الْمُجْرِمِينَ لِأَنَّ كُفْرَهُمْ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ إِجْرَامٌ. وَجُمْلَةُ:
لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْمُجْرِمِينَ.
وَالْغَايَةُ فِي حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ تَهْدِيدٌ بِعَذَابٍ سَيَحِلُّ بِهِمْ، وَحَثٌّ عَلَى الْمُبَادَرَةِ بِالْإِيمَانِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ بِهِمُ الْعَذَابُ. وَالْعَذَابُ صَادِقٌ بِعَذَابِ الْآخِرَةِ لِمَنْ هَلَكُوا قَبْلَ حُلُولِ عَذَابِ الدُّنْيَا، وَصَادِقٌ بِعَذَابِ السَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ [الْأَنْعَام: ١٥٨] .
وَقَوْلُهُ: فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً صَالِحٌ لِلْعَذَابَيْنِ: عَذَابُ الْآخِرَةِ يَأْتِي عَقِبَ الْمَوْتِ وَالْمَوْتُ يَحْصُلُ بَغْتَةً، وَعَذَابُ الدُّنْيَا بِالسَّيْفِ يَحْصُلُ بَغْتَةً حِينَ الضَّرْبِ بِالسَّيْفِ.
وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَيَأْتِيَهُمْ عاطفة لفعل فَيَأْتِيَهُمْ عَلَى فِعْلِ يَرَوُا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ نصب فَيَأْتِيَهُمْ وَذَلِكَ مَا يَسْتَلْزِمُهُ مَعْنَى الْعَطْفِ مِنْ إِفَادَةِ التَّعْقِيبِ فَيُثِيرُ إِشْكَالًا بِأَنَّ إِتْيَانَ الْعَذَابِ لَا يَكُونُ بَعْدَ رُؤْيَتِهِمْ إِيَّاهُ بَلْ هُمَا حَاصِلَانِ مُقْتَرِنَيْنِ فَتَعَيَّنَ تَأْوِيلُ مَعْنَى الْآيَةِ. وَقَدْ حَاوَلَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» وَالْكَاتِبُونَ عَلَيْهِ تَأْوِيلَهَا بِمَا لَا تَطْمَئِنُّ لَهُ النَّفس.
وَالْوَجْه عِنْدِي فِي تَأْوِيلِهَا أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ: فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً بَدَلَ اشْتِمَالٍ مِنْ جُمْلَةِ يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ وَأُدْخِلَتِ الْفَاءُ فِيهَا لِبَيَانِ صُورَةِ الِاشْتِمَالِ، أَيْ إِنَّ رُؤْيَةَ الْعَذَابِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى حُصُولِهِ بَغْتَةً، أَيْ يَرَوْنَهُ دَفْعَةً دُونَ سَبْقِ أَشْرَاطٍ لَهُ.
أَمَّا الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَيَقُولُوا فَهِيَ لِإِفَادَةِ التَّعْقِيبِ فِي الْوُجُودِ وَهُوَ صَادِقٌ بِأَسْرَعِ تَعْذِيبٍ فَتَكُونُ خَطِرَةً فِي نُفُوسِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَهْلَكُوا فِي الدُّنْيَا، أَوْ يَقُولُونَ ذَلِكَ وَيُرَدِّدُونَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ وَحِينَ يُلْقَوْنَ فِيهِ.
وهَلْ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي اسْتِفْهَامٍ مُرَادٍ بِهِ التَّمَنِّي مَجَازًا. وَجِيءَ بَعْدَهَا بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الثَّبَاتِ، أَيْ تَمَنَّوْا إِنْظَارًا طَوِيلًا يَتَمَكَّنُونَ فِيهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَل الصَّالح.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute