للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَدُلُّ عَلَيْهِ وَصْفُ (رَحِمَانٍ) مِنْ شِدَّةِ الرَّحْمَةِ، وَإِنَّمَا أَقْدَمَهُمْ عَلَيْهِ مَا يُقَدِّمُ كُلَّ مُعَانِدٍ مِنْ تَطَلُّبِ التَّغْلِيظِ وَالتَّخْطِئَةِ لِلْمُخَالِفِ، وَلَوْ فِيمَا يَعْرِفُ أَنَّهُ حَقٌّ، وَذَكَرَ ابْنُ عَطِيَّةَ، وَغَيْرُهُ. أَنَّهُ

رُوِيَ فِي سَبَبِ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها أَنَّ أَبَا جَهْلٍ سَمِعَ بَعْضَ أَصْحَاب النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ فِي قِرَاءَتِهِ، وَمَرَّةً يَقْرَأُ فَيَذْكُرُ الرَّحْمَانَ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ «مُحَمَّدٌ يَزْعُمُ أَنَّ الْإِلَهَ وَاحِدٌ وَهُوَ إِنَّمَا يَعْبُدُ آلِهَةً كَثِيرَةً» فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.

فَعَطْفُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا عَطْفُ الْأَخْبَارِ عَنْ أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ وَضَلَالِهِمْ، وَالْغَرَضُ مِنْهَا قَوْلُهُ: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ.

وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ الْمُسْنَدِ عَلَى الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ الْمُفِيدِ تَأْكِيدَ اسْتِحْقَاقِهِ إِيَّاهَا، الْمُسْتَفَادِ مِنَ اللَّامِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ اتِّسَامَهُ بِهَا أَمْرٌ ثَابِتٌ، وَذَلِكَ تَمْهِيدٌ لِقَوْلِهِ: فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ

، وَقَدِ الْتُزِمُ مِثْلُ هَذَا التَّقْدِيمِ فِي جَمِيعِ الْآيِ الَّتِي فِي هَذَا الْغَرَضِ مِثْلِ قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [١١٠] فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَسُورَةِ طه [٨] لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَفِي سُورَةِ الْحَشْرِ [٢٤] لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى، وَكُلُّ ذَلِكَ تَأْكِيدٌ لِلرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْأَسْمَاءِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ أَوْ كَلَام النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَاءً لِلَّهِ تَعَالَى بِتَخْيِيلِهِمْ أَنَّ تَعَدُّدَ الِاسْمِ تَعَدُّدٌ لِلْمُسَمَّى تَمْوِيهًا عَلَى الدَّهْمَاءِ.

وَالْأَسْمَاءُ هِيَ الْأَلْفَاظُ الْمَجْعُولَةُ أَعْلَامًا عَلَى الذَّاتِ بِالتَّخْصِيصِ أَوْ بِالْغَلَبَةِ فَاسْمُ الْجَلَالَةِ وَهُوَ (اللَّهُ) عَلَمٌ عَلَى ذَاتِ الْإِلَهِ الْحَقِّ بِالتَّخْصِيصِ، شَأْنُ الْأَعْلَام، و (الرَّحْمَن) وَ (الرَّحِيمُ) اسْمَانِ لِلَّهِ بِالْغَلَبَةِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ لَفْظٍ مُفْرَدٍ دَلَّ عَلَى صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ، وَأُطْلِقَ إِطْلَاقَ الْإِعْلَامِ نَحْوَ الرَّبِّ، وَالْخَالِقِ، وَالْعَزِيزِ، وَالْحَكِيمِ، وَالْغَفُورِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا مَا كَانَ مُرَكَّبًا إِضَافِيًّا نَحْوَ: ذُو الْجَلَالِ، وَرَبُّ الْعَرْشِ، فَإِنَّ ذَلِكَ بِالْأَوْصَافِ أَشْبَهُ، وَإِنْ كَانَ دَالًّا عَلَى مَعْنًى لَا يَلِيقُ إِلَّا بِاللَّهِ نَحْوَ: مَلِكِ يَوْم الدَّين [الْفَاتِحَة: ٤] .

وَالْحُسْنَى مُؤَنَّثُ الْأَحْسَنِ، وَهُوَ الْمُتَّصِفُ بِالْحُسْنِ الْكَامِلِ فِي ذَاتِهِ، الْمَقْبُولِ لَدَى الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنِ الْهَوَى، وَلَيْسَ المُرَاد بالْحسنِ الملاءمة لِجَمِيعِ النَّاس، لِأَن الملاءمة وصف إِضَافَة نِسْبِيٌّ، فَقَدْ يُلَائِمُ زَيْدًا مَا لَا يُلَائِمُ عَمْرًا، فَلِذَلِكَ فَالْحُسْنُ صِفَةٌ ذَاتِيَّةٌ

لِلشَّيْءِ الْحَسَنِ.