وَوَصْفُ الْأَسْمَاءِ بِـ الْحُسْنى: لِأَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى ثُبُوتِ صِفَاتِ كَمَالٍ حَقِيقِيٍّ، أَمَّا بَعْضُهَا فَلِأَنَّ مَعَانِيَهَا الْكَامِلَةَ لَمْ تَثْبُتْ إِلَّا لِلَّهِ نَحْوَ الْحَيِّ، وَالْعَزِيزِ، وَالْحَكِيمِ، وَالْغَنِيِّ، وَأَمَّا الْبَعْضُ الْآخَرُ فَلِأَنَّ مَعَانِيَهَا مُطْلَقًا لَا يَحْسُنُ الِاتِّصَافُ بِهَا إِلَّا فِي جَانِبٍ اللَّهِ نَحْوَ الْمُتَكَبِّرِ، وَالْجَبَّارِ، لِأَنَّ مَعَانِي هَذِهِ الصِّفَاتِ وَأَشْبَاهِهَا كَانَتْ نَقْصًا فِي الْمَخْلُوقِ مِنْ حَيْثُ أَنَّ الْمُتَّسِمَ بِهَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لَهَا لِعَجْزِهِ أَوْ لِحَاجَتِهِ، بِخِلَافِ الْإِلَهِ، لِأَنَّهُ الْغَنِيُّ الْمُطْلَقُ، فَكَانَ اتِّصَافُ الْمَخْلُوقِ بِهَا مَنْشَأَ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ، وَكَانَ اتِّصَافُ الْخَالِقِ بِهَا مَنْشَأَ صَلَاحٍ، لِأَنَّهَا مَصْدَرُ الْعَدَالَةِ وَالْجَزَاءِ الْقِسْطِ.
وَالتَّفْرِيعُ فِي قَوْلِهِ: فَادْعُوهُ بِها تَفْرِيعٌ عَنْ كَوْنِهَا أَسْمَاءً لَهُ، وَعَنْ كَوْنِهَا حُسْنَى، أَيْ فَلَا حَرَجَ فِي دُعَائِهِ بِهَا لِأَنَّهَا أَسْمَاءٌ مُتَعَدِّدَةٌ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ، لَا كَمَا يَزْعُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَلِأَنَّهَا حُسْنَى فَلَا ضَيْرَ فِي دُعَاءِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا. وَذَلِكَ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ اللَّهَ يُدْعَى بِكُلِّ مَا دَلَّ عَلَى صِفَاتِهِ وَعَلَى أَفْعَالِهِ.
وَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا دَلَّ على صفة الله تَعَالَى وشأن من شؤونه عَلَى وَجْهِ التَّقْرِيبِ لِلْأَفْهَامِ بِحَسَبِ الْمُعْتَادِ يَسُوغُ أَنْ يُطْلَقَ مِنْهُ اسْمٌ لِلَّهِ تَعَالَى مَا لَمْ يَكُنْ مَجِيئُهُ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ نَحْوَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [الْبَقَرَة: ١٥] أَوْ يُوهِمُ مَعْنَى نَقْصٍ فِي مُتَعَارَفِ النَّاسِ نَحْوَ الْمَاكِرِ مِنْ قَوْلِهِ: وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ [آل عمرَان: ٥٤] .
وَلَيْسَتْ أَسْمَاءُ اللَّهِ الْحُسْنَى مُنْحَصِرَةً فِي التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ الْوَارِدَةِ
فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنِ الْأَعْرَجِ، وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ، وَعَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ»
لِأَنَّ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي حَصْرَ الْأَسْمَاءَ فِي ذَلِكَ الْعَدَدِ، وَلَكِنَّ تِلْكَ الْأَسْمَاءَ ذَاتَ الْعَدَدِ لَهَا تِلْكَ الْمَزِيَّةُ، وَقَدْ
ثَبَتَ أَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا فَقَالَ يَا حَنَّانُ يَا مَنَّانُ
وَلَمْ يَقَعْ هَذَانِ الِاسْمَانِ فِيمَا رُوِيَ مِنَ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيّ بأسانيد صحية مَشْهُورَةٍ تَعْيِينُ الْأَسْمَاءِ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ، وَوَقَعَ فِي «جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ» مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ: «دَخَلَ الْجَنَّةَ» هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ إِلَى آخِرِهَا، فَعَيَّنَ صِفَاتٍ لِلَّهِ تَعَالَى تِسْعًا وَتِسْعِينَ، وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ بَيْنَ الَّذِينَ تَصَدَّوْا لِبَيَانِهَا، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: «هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَدَّثَنَا بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ صَالِحٍ وَهُوَ ثِقَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute