للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَدَمِ قِسْمَتِهِ سَوَادَ الْعرَاق بَين الْجَيْش الْفَاتِحِينَ لَهُ عَمَلٌ آخَرُ، وَهُوَ لَيْسَ من غَرَضَنَا. وَمَحَلُّهُ كُتُبُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ.

وَالْفَرِيقُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا قَوْلَهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ [الْحَشْر: ٩] كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا، وَجَعَلَ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ [الْحَشْر: ٩] خَبَرًا عَنِ اسْمِ الْمَوْصُولِ، جَعَلُوا قَوْله: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ كَذَلِكَ مُسْتَأْنَفًا.

وَمِنَ الَّذِينَ جَعَلُوا قَوْله: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا [الْحَشْر: ٩] مَعْطُوفًا عَلَى لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ [الْحَشْر: ٨] مَنْ جَعَلَ قَوْله: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ مُسْتَأْنَفًا. وَنَسَبَهُ ابْنُ الْفَرَسِ فِي «أَحْكَامِ الْقُرْآنِ» إِلَى الشَّافِعِيِّ. وَرَأَى أَنَّ الْفَيْءَ إِذَا كَانَ أَرْضًا فَهُوَ إِلَى تَخْيِيرِ الْإِمَامِ وَلَيْسَ يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ لِلْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ فِي فَيْءِ بَنِي النَّضِيرِ.

وَجُمْلَةُ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا عَلَى التَّفْسِيرِ الْمُخْتَارِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ من الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ.

وَالْغِلُّ بِكَسْرِ الْغَيْنِ: الْحَسَدُ وَالْبُغْضُ، أَيْ سَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُطَهِّرَ نُفُوسَهُمْ مِنَ الْغِلِّ وَالْحَسَدِ لِلْمُؤْمِنِينَ السَّابِقَيْنِ عَلَى مَا أُعْطُوهُ مِنْ فَضِيلَة صُحْبَة النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا فُضِّلَ بِهِ بَعْضُهُمْ مِنَ الْهِجْرَةِ وَبَعْضُهُمْ مِنَ النُّصْرَةِ، فَبَيَّنَ الله للَّذين جاؤا مِنْ بَعْدِهِمْ مَا يُكْسِبُهُمْ فَضِيلَةً لَيْسَتْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَهِيَ فَضِيلَةُ الدُّعَاءِ لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ وَانْطِوَاءِ ضَمَائِرِهِمْ عَلَى مَحَبَّتِهِمْ وَانْتِفَاءِ الْبُغْضِ لَهُمْ.

وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ يُضْمِرُونَ مَا يَدْعُونَ اللَّهَ بِهِ لَهُمْ فِي نُفُوسهم ويرضوا أَنْفُسَهُمْ عَلَيْهِ.

وَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ حَقًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَذْكُرُوا سَلَفَهُمْ بِخَيْرٍ، وَأَنَّ حَقًّا عَلَيْهِمْ مَحَبَّةُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَتَعْظِيمُهُمْ، قَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَ يُبْغِضُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ كَانَ قَلْبُهُ عَلَيْهِ غِلٌّ فَلَيْسَ لَهُ حَقٌّ فِي فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ قَرَأَ وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ الْآيَةَ.

فَلَعَلَّهُ أَخَذَ بِمَفْهُومِ الْحَالِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا الْآيَةَ، فَإِنَّ الْمَقْصِدَ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ أَنْ يُضْمِرُوا مَضْمُونَهُ فِي نُفُوسِهِمْ فَإِذَا أَضْمَرُوا خِلَافَهُ وَأَعْلَنُوا بِمَا يُنَافِي ذَلِكَ فَقَدْ تَخَلَّفَ فِيهِمْ هَذَا الْوَصْفُ، فَإِنَّ الْفَيْءَ عَطِيَّةٌ