للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(١٠)

عَطْفٌ على وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ [الْحَشْر: ٩] عَلَى التَّفْسِيرَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فَأَمَّا عَلَى

رَأْيِ مَنْ جعلُوا وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ [الْحَشْر: ٩] مَعْطُوفًا عَلَى لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ [الْحَشْر: ٨] جعلُوا الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَرِيقًا مِنْ أَهْلِ الْقُرَى، وَهُوَ غَيْرُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بَلْ هُوَ مَنْ جَاءَ إِلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَضَمِيرُ مِنْ بَعْدِهِمْ عَائِدٌ إِلَى مَجْمُوعِ الْفَرِيقَيْنِ.

وَالْمَجِيءُ مُسْتَعْمَلٌ لِلطُّرُوِّ وَالْمَصِيرِ إِلَى حَالَةٍ تُمَاثِلُ حَالَهُمْ، وَهِيَ حَالَةُ الْإِسْلَامِ، فَكَأَنَّهُمْ أَتَوْا إِلَى مَكَانٍ لِإِقَامَتِهِمْ، وَهَذَا فَرِيقٌ ثَالِثٌ وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ [التَّوْبَة: ١٠٠] أَيِ اتَّبَعُوهُمْ فِي الْإِيمَانِ.

وَإِنَّمَا صِيغ جاؤُ بِصِيغَةِ الْمَاضِي تَغْلِيبًا لِأَنَّ مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ مَنْ أَسْلَمُوا بَعْدَ الْهِجْرَةِ مِثْلِ غِفَارَةَ، وَمُزَيْنَةَ، وَأَسْلَمَ، وَمِثْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، فَكَأَنَّهُ قيل: الَّذين جاؤوا وَيَجِيئُونَ، بِدِلَالَةِ لَحْنِ الْخِطَابِ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا: زِيَادَةُ دَفْعِ إِيهَامِ أَنْ يَخْتَصَّ الْمُهَاجِرُونَ بِمَا أَفَاءَ اللَّهُ على رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى كَمَا اختصهم النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَيْءِ بَنِي النَّضِيرِ.

وَقَدْ شَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ كُلَّ مَنْ يُوجَدُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبَدَ الدَّهْرِ، وَعَلَى هَذَا جَرَى فَهْمُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَوْلَا آخِرُ الْمُسْلِمِينَ مَا فُتِحَتْ قَرْيَةٌ إِلَّا قَسَّمْتُهَا بَيْنَ أَهْلِهَا (أَيِ الْفَاتِحِينَ) كَمَا قسم النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ.

وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ: أَنَّ عُمَرَ دَعَا الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ وَاسْتَشَارَهُمْ فِيمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُمْ: تَثَبَّتُوا الْأَمْرَ وَتَدَبَّرُوهُ ثُمَّ اغْدُوَا عَلَيَّ فَلَمَّا غَدَوْا عَلَيْهِ قَالَ: قَدْ مَرَرْتُ بِالْآيَاتِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْحَشْرِ وَتَلَا مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى إِلَى قَوْلِهِ: أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [٧، ٨] . قَالَ: مَا هِيَ لِهَؤُلَاءِ فَقَطْ وتلا قَوْله: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَى قَوْلِهِ: رَؤُفٌ رَحِيمٌ ثُمَّ قَالَ: مَا بَقِي أحد مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ إِلَّا وَقَدْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ اه.

وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْفَيْءِ، وَأَمَّا مَا فُتِحَ عَنْوَةً فَمَسْأَلَةٌ أُخْرَى وَلِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي