مُمَاتٌ عَلَى وَزْنِ فَعَلٍ مِثْلَ الْفَرَحِ. وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أُطْلِقَ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ كَمَا يُوصَفُ بِالْمَصْدَرِ. يُقَالُ: هَؤُلَاءِ وَلَدُ فُلَانٍ.
وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ»
وَالْمُرَادُ هُنَا الْجَمْعُ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ اسْتَوْلَدَهَا مِنْ سَرَوَاتِ الْجِنِّ قَالَ تَعَالَى: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ [النَّحْل: ٥٧] .
وَجُمْلَةُ: سُبْحانَهُ إِنْشَاءُ تَنْزِيهٍ لِلرَّدِّ عَلَيْهِمْ، فَالْجُمْلَةُ جَوَابٌ لِذَلِكَ الْمَقَالِ وَلِذَلِكَ فُصِلَتْ عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَهُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ لِ (سَبَّحَ) إِذَا نَزَّهَ، نَائِبٌ عَنِ الْفِعْلِ، أَيْ نُسَبِّحُهُ.
وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالُوا سُبْحانَكَ لَا عِلْمَ لَنا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٣٢] ، أَيْ تَنْزِيهًا لِلَّهِ عَنْ هَذَا لِأَنَّ مَا قَالُوهُ يَسْتَلْزِمُ تَنْقِيصَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِذَلِكَ بُيِّنَتْ جُمْلَةُ التَّنْزِيهِ بِجُمْلَةِ: هُوَ
الْغَنِيُ
بَيَانًا لِوَجْهِ التَّنْزِيهِ، أَيْ هُوَ الْغَنِيُّ عَنِ اتِّخَاذِ الْوَلَدِ، لِأَنَّ الْإِلَهِيَّةَ تَقْتَضِي الْغِنَى الْمُطْلَقَ عَنْ كُلِّ احْتِيَاجٍ إِلَى مُكَمِّلِ نَقْصٍ فِي الذَّاتِ أَوِ الْأَفْعَالِ، وَاتِّخَاذُ الْوَلَدِ إِمَّا أَنْ يَنْشَأَ عَنِ انْدِفَاعٍ طَبِيعِيٍّ لِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ عَنْ غَيْرِ قَصْدِ التَّوْلِيدِ وَكَوْنِهَا نَقْصًا غَيْرَ خَفِيٍّ، وَإِمَّا أَنْ يَنْشَأَ عَنِ الْقَصْدِ وَالتَّفْكِيرِ فِي إِيجَادِ الْوَلَدِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا لِسَدِّ ثُلْمَةِ نَقْصٍ مِنْ حَاجَةٍ إِلَى مَعْنًى فِي الْحَيَاةِ أَوْ خَلَفٍ بَعْدَ الْمَمَاتِ. وَكُلُّ ذَلِكَ مُنَافٍ لِلْإِلَهِيَّةِ الَّتِي تَقْتَضِي الِاتِّصَافَ بِغَايَةِ الْكَمَالِ فِي الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ.
وَالْغَنِيُّ: الْمَوْصُوفُ بِالْغِنَى، فَعِيلٌ لِلْمُبَالَغَةِ فِي فِعْلِ (غَنِيَ) عَنْ كَذَا إِذَا كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ، وَغِنَى اللَّهِ هُوَ الْغِنَى الْمُطْلَقُ، وَفُسِّرَ فِي أُصُولِ الدِّينِ الْغِنَى الْمُطْلَقُ بِأَنَّهُ عَدَمُ الِافْتِقَارِ إِلَى الْمُخَصِّصِ وَإِلَى الْمَحَلِّ، فَالْمُخَصِّصُ هُوَ الَّذِي يُعَيِّنُ لِلْمُمْكِنِ إِحْدَى صِفَتَيِ الْوُجُودِ أَوِ الْعَدَمِ عِوَضًا عَنِ الْأُخْرَى، فَبِذَلِكَ ثَبَتَ لِلْإِلَهِ الْوُجُودُ الْوَاجِبُ، أَيِ الَّذِي لَا يُتَصَوَّرُ انْتِفَاؤُهُ وَلِذَلِكَ انْتَفَى عَنْهُ التَّرْكِيبُ مِنْ أَجْزَاءٍ وَأَبْعَاضٍ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ امْتَنَعَ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْهُ، وَالْوَلَدُ يَنْشَأُ مِنْ جُزْءٍ مُنْفَصِلٍ عَنِ الْوَالِدِ، فَلَا جَرَمَ أَنْ كَانَ الْغَنِيُّ مُنَزَّهًا عَنِ الْوَلَدِ مِنْ جِهَةِ الِانْفِصَالِ، ثُمَّ هُوَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّخِذَ بَعْضُ الْمَخْلُوقَاتِ وَلَدًا لَهُ بِالتَّبَنِّي لِأَجْلِ كَوْنِهِ غَنِيًّا عَنِ الْحَاجَاتِ الَّتِي تَبْعَثُ عَلَى اتِّخَاذِ الْوَلَدِ مِنْ طَلَبِ مَعُونَةٍ أَوْ إِينَاسٍ أَوْ خَلَفٍ، قَالَ تَعَالَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute