فَمِنْ تِلْكَ الْآيَاتِ: خَلْقُ الشَّمْسِ، وَخَلْقُ الْأَرْضِ، وَخَلْقُ النُّورِ فِي الشَّمْسِ، وَخَلْقُ الظُّلْمَةِ فِي الْأَرْضِ، وَوُصُولُ شُعَاعِ الشَّمْسِ إِلَى الْأَرْضِ، وَدَوَرَانُ الْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ بِحَيْثُ يَكُونُ نِصْفُ كُرَتِهَا مُوَاجِهًا لِلشُّعَاعِ وَنِصْفُهَا الْآخَرُ مَحْجُوبًا عَنِ الشُّعَاعِ، وَخَلْقُ الْإِنْسَانِ وَجَعْلُ نِظَامِ مِزَاجِهِ الْعَصَبِيِّ مُتَأَثِّرًا بِالشُّعَاعِ نَشَاطًا، وَبِالظُّلْمَةِ فُتُورًا، وَخَلْقُ حَاسَّةِ الْبَصَرِ، وَجَعْلُهَا مُقْتَرِنَةً بِتَأَثُّرِ الضَّوْءِ وَجَعْلُ نِظَامِ الْعَمَلِ مُرْتَبِطًا بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ وَخَلْقُ نِظَامِ الْمِزَاجِ الْإِنْسَانِيِّ مُشْتَمِلًا عَلَى قُوَى قَابِلَةٍ لِلْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ ثُمَّ مَدْفُوعًا إِلَى اسْتِعْمَالِ قُوَاهُ بِقَصْدٍ وَبِغَيْرِ قَصْدٍ بِسَبَبِ نَشَاطِهِ الْعَصَبِيِّ، ثُمَّ فَاقِدًا بِالْعَمَلِ نَصِيبًا مِنْ قُوَاهُ مُحْتَاجًا إِلَى الِاعْتِيَاضِ بِقُوَى تَخَلُّفِهَا بِالسُّكُونِ وَالْفُتُورِ الَّذِي يُلْجِئُهُ إِلَى تَطَلُّبِ الرَّاحَةِ. وَأَيَّةُ آيَاتٍ أَعْظَمُ مِنْ هَذِهِ، وَأَيَّةُ مِنَّةٍ عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْظَمُ من إِيدَاع الله فِيهِ دَوَاعِيَ تَسُوقُهُ إِلَى صَلَاحِهِ وَصَلَاحِ نَوْعِهِ بِدَاعٍ مِنْ نَفسه.
وَوصف لِقَوْمٍ بِأَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ تِلْكَ الْآيَاتِ وَالدَّلَائِلَ تَنْهَضُ دَلَالَتُهَا لِلْعُقُولِ بِالتَّأَمُّلِ فِيهَا، وَأَنَّ تَوَجُّهَ التَّفْكِيرِ إِلَى دَلَائِلِهَا غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَّا إِلَى التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا وَلَفْتِهِ إِلَيْهَا، فَلَمَّا كَانَ سَمَاعُ تَذْكِيرِ اللَّهِ بِهَا هُوَ الْأَصْلُ الْأَصِيلُ فِي اسْتِخْرَاجِ دَلَالَتِهَا وتفريع مَدْلُولَاتِهَا عَلَى تَفَاوُتِ الْأَذْهَانِ فِي الْفِطْنَةِ وَتَرْتِيبِ الْأَدِلَّةِ جَعَلَ آيَاتِ دَلَالَتِهَا حَاصِلَةً لِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ يَسْمَعُونَ تَفَاصِيلَ تِلْكَ الدَّلَائِلِ فِي تَضَاعِيفِ سُوَرِ الْقُرْآنِ، وَعَلَى كِلَا الِاحْتِمَالَيْنِ فَالْوَصْفُ بِالسَّمْعِ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ الَّذِينَ لَمْ يَهْتَدُوا بِهَا وَلَا تَفَطَّنُوا لِدَلَالَتِهَا بِمَنْزِلَةِ الصُّمِّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ [الزخرف: ٤٠] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute