وَنِدَاءُ نُوحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِلتَّنْوِيهِ بِهِ بَيْنَ الْمَلَأِ.
وَالْهُبُوطُ: النُّزُولُ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: اهْبِطُوا مِصْراً فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٦١] .
وَالْمُرَادُ: النُّزُولُ مِنَ السَّفِينَةِ لِأَنَّهَا كَانَتْ أَعْلَى مِنَ الْأَرْضِ.
وَالسَّلَامُ: التَّحِيَّةُ، وَهُوَ مِمَّا يُخَاطَبُ بِهَا عِنْدَ الْوَدَاعِ أَيْضًا، يَقُولُونَ: اذْهَبْ بِسَلَامٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيَدٍ:
إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمِ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا وَخِطَابُهُ بِالسَّلَامِ حِينَئِذٍ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ كَانَ فِي ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ كَانَ كَافِلًا لَهُ النَّجَاةَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنا [الْقَمَر: ١٣، ١٤] .
وَأَصْلُ السَّلَامِ: السَّلَامَةُ، فَاسْتُعْمِلَ عِنْدَ اللِّقَاءِ إِيذَانًا بِتَأْمِينِ الْمَرْءِ مُلَاقِيَهُ وَأَنَّهُ لَا يُضْمِرُ لَهُ سُوءًا، ثُمَّ شَاعَ فَصَارَ قَوْلًا عِنْدَ اللِّقَاءِ لِلْإِكْرَامِ. وَبِذَلِك نهى النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ قَالُوا: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ، فَقَوْلُهُ هُنَا: اهْبِطْ بِسَلامٍ نَظِيرُ قَوْلِهِ: ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ [الْحجر: ٤٦] فَإِنَّ السَّلَامَ ظَاهِرٌ فِي التَّحِيَّةِ لِتَقْيِيدِهِ بِ (آمِنِينَ) . وَلَوْ كَانَ السَّلَامُ مُرَادًا بِهِ السَّلَامَةُ لَكَانَ التَّقْيِيدُ بِ (آمَنِينَ) تَوْكِيدًا وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ.
ومِنَّا تَأْكِيدٌ لِتَوْجِيهِ السَّلَامِ إِلَيْهِ لِأَنَّ (مِنِ) ابْتِدَائِيَّةٌ، فَالْمَعْنى: بِسَلام ناشىء مِنْ عِنْدِنَا، كَقَوْلِهِ: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس: ٥٨] . وَذَلِكَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ. وَهَذَا التَّأْكِيدُ يُرَادُ بِهِ زِيَادَةُ الصِّلَةِ وَالْإِكْرَامِ فَهُوَ أَشَدُّ مُبَالَغَةً مِنَ الَّذِي لَا تُذْكَرُ مَعَهُ (مِنْ) .
وَالْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ، أَيِ اهْبِطْ مَصْحُوبًا بِسَلَامٍ مِنَّا. وَمُصَاحَبَةُ السَّلَامِ الَّذِي هُوَ التَّحِيَّةُ مُصَاحِبَةٌ مَجَازِيَّةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute