وَالذِّكْرُ: التَّذْكِيرُ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْقُرْآنُ.
وَالصَّفْحُ: الْإِعْرَاضُ بِصَفْحِ الْوَجْهِ وَهُوَ جَانِبُهُ وَهُوَ أَشَدُّ الْإِعْرَاضِ عَنِ الْكَلَامِ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ تَرْكَ اسْتِمَاعِهِ وَتَرْكَ النَّظَرِ إِلَى الْمُتَكَلِّمِ.
وَانْتَصَبَ صَفْحاً عَلَى النِّيَابَةِ عَنِ الظَّرْفِ، أَيْ فِي مَكَانِ صَفْحٍ، كَمَا يُقَالُ: ضَعْهُ جَانِبًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَفْحاً مَصْدَرَ صَفَحَ عَنْ كَذَا، إِذَا أَعْرَضَ، فَيَنْتَصِبَ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ لِبَيَانِ نَوْعِ الضَّرْبِ بِمَعْنَى الصَّرْفِ وَالْإِعْرَاضِ.
وَالْإِسْرَافُ: الْإِفْرَاطُ وَالْإِكْثَارُ، وَأَغْلَبُ إِطْلَاقِهِ عَلَى الْإِكْثَارِ مِنَ الْفِعْلِ الضَّائِرِ.
وَلِذَلِكَ قِيلَ «لَا سَرَفَ فِي الْخَيْرِ» وَالْمَقَامُ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُمْ أَسْرَفُوا فِي الْإِعْرَاضِ عَنِ الْقُرْآنِ.
وَقَرَأَ نَافِعٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَخَلَفٌ إِنْ كُنْتُمْ بِكَسْرِ هَمْزَةِ إِنْ فَتَكُونُ
إِنْ شَرْطِيَّةً، وَلَمَّا كَانَ الْغَالِبُ فِي اسْتِعْمَالِ إِنِ الشَّرْطِيَّةِ أَنْ تَقَعَ فِي الشَّرْطِ الَّذِي لَيْسَ مُتَوَقَّعًا وُقُوعُهُ بِخِلَافِ (إِذَا) الَّتِي هِيَ لِلشَّرْطِ الْمُتَيَقَّنِ وُقُوعه، فالإتيان بإن فِي قَوْلِهِ:
إِنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ لِقَصْدِ تَنْزِيلِ الْمُخَاطَبِينَ الْمَعْلُومِ إِسْرَافُهُمْ مَنْزِلَةَ مَنْ يَشُكُّ فِي إِسْرَافِهِ لِأَنَّ تَوَفُّرَ الْأَدِلَّةِ عَلَى صِدْقِ الْقُرْآنِ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُزِيلَ إِسْرَافَهُمْ وَفِي هَذَا ثِقَةٌ بِحَقِّيَّةِ الْقُرْآنِ وَضَرْبٌ مِنَ التَّوْبِيخِ عَلَى إِمْعَانِهِمْ فِي الْإِعْرَاضِ عَنْهُ. وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَلَى جَعْلِ إِنَّ مَصْدَرِيَّةً وَتَقْدِيرِ لَامِ التَّعْلِيلِ مَحْذُوفًا، أَيْ لِأَجْلِ إِسْرَافِكُمْ، أَيْ لَا نَتْرُكُ تَذْكِيرَكُمْ بِسَبَبِ كَوْنِكُمْ مُسْرِفِينَ بَلْ لَا نَزَالُ نُعِيدُ التَّذْكِيرَ رَحْمَةً بِكُمْ.
وَإِقْحَامُ قَوْماً قَبْلَ مُسْرِفِينَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْإِسْرَافَ صَارَ طَبْعًا لَهُمْ وَبِهِ قِوَامُ قَوْمِيَّتِهِمْ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ فِي سُورَة الْبَقَرَة [١٦٤] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute