للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَكَافُ الْخِطَابِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُنَافِقِينَ يحلفُونَ على التبرّي، مِمَّا يَبْلُغُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَقْوَالِهِمُ الْمُؤْذِيَةِ لِلرَّسُولِ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، وَذَلِكَ يَغِيظُ الْمُسْلِمِينَ وَيُنْكِرُهُمْ عَلَيْهِمْ، وَالنَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُغْضِي عَنْ ذَلِكَ، فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ أَيْ أَحَقُّ مِنْكُمْ بِأَنْ يُرْضُوهُمَا، وَسَيَأْتِي تَعْلِيلُ أَحَقِّيَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِأَنْ يُرْضُوهُمَا فِي الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا فَإِرْضَاءُ اللَّهِ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ وَتَعْظِيمِ رَسُولِهِ، وَإِرْضَاءُ الرَّسُولِ بِتَصْدِيقِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَإِكْرَامِهِ.

وَإِنَّمَا أَفْرَدَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: أَنْ يُرْضُوهُ مَعَ أَنَّ الْمُعَادَ اثْنَانِ لِأَنَّهُ أُرِيدَ عَوْدُ الضَّمِيرِ إِلَى أَوَّلِ الِاسْمَيْنِ، وَاعْتِبَارُ الْعَطْفِ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ بِتَقْدِيرِ: وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ وَرَسُولُهُ كَذَلِكَ، فَيَكُونُ الْكَلَامُ جُمْلَتَيْنِ ثَانِيَتُهُمَا كَالِاحْتِرَاسِ وَحَذْفُ الْخَبَرِ إِيجَازٌ. وَمِنْ نُكْتَةِ ذَلِكَ

الْإِشَارَةُ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْإِرْضَاءَيْنِ، وَمِنْه قَول ضابىء بْنِ الْحَارِثِ:

وَمَنْ يَكُ أَمْسَى بِالْمَدِينَةِ رَحْلُهُ ... فَإِنِّي وَقَيَّارٌ بِهَا لَغَرِيبُ

التَّقْدِيرُ: فَإِنِّي لَغَرِيبٌ وَقَيَّارٌ بِهَا غَرِيبٌ أَيْضًا. لِأَنَّ إِحْدَى الْغُرْبَتَيْنِ مُخَالِفَةٌ لِأُخْرَاهُمَا.

وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِي يُرْضُوهُ عَائِدٌ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ، لِأَنَّهُ الْأَهَمُّ فِي الْخَبَرِ، وَلِذَلِكَ ابْتُدِئَ بِهِ، أَلَا تَرَى أنّ بَيت ضابىء قَدْ جَاءَ فِي خَبَرِهِ الْمَذْكُورِ لَامُ الِابْتِدَاءِ الَّذِي هُوَ مِنْ عَلَائِقِ (إِنَّ) الْكَائِنَةِ فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى، دُونَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ، وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ هُوَ الْغَالِبُ.

وَشَرْطُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ، مُسْتَعْمَلٌ لِلْحَثِّ وَالتَّوَقُّعِ لِإِيمَانِهِمْ، لِأَنَّ مَا حُكِيَ عَنْهُمْ مِنَ الْأَحْوَالِ لَا يَبْقَى مَعَهُ احْتِمَالٌ فِي إِيمَانِهِمْ، فَاسْتُعْمِلَ الشَّرْطُ لِلتَّوَقُّعِ وَلِلْحَثِّ عَلَى الْإِيمَانِ. وَفِيهِ أَيْضًا تَسْجِيلٌ عَلَيْهِمْ، إِنْ أَعَادُوا مِثْلَ صَنِيعِهِمْ، بِأَنَّهُمْ كَافِرُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَفِيهِ تَعْلِيمٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَتَحْذِيرٌ مِنْ غَضَبِ الله وَرَسُوله.