للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَرٌّ أَوْ خَيْرٌ، بِدُونِ تَمْيِيزٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُوقِعُ صَاحِبَهُ فِي اضْطِرَابِ أَعْمَالِهِ

وَمُعَامَلَاتِهِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ صَاحِبُهُ لَا يَقْبَلُ إِلَّا الْخَيْرَ، وَيَرْفُضُ مَا هُوَ شَرٌّ مِنَ الْقَوْلِ، فَقَدْ صَارَ الْوَصْفُ نَافِعًا، لِأَنَّ صَاحِبَهُ الْتَزَمَ أَنْ لَا يَقْبَلَ إِلَّا الْخَيْرَ، وَأَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَيْهِ. هَذَا تَحْقِيقُ مَعْنَى الْمُقَابَلَةِ، وَتَصْحِيحُ إِضَافَةِ هَذَا الْوَصْفِ إِلَى الْخَيْرِ، فَأَمَّا حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى فَيُصَيِّرُهُ إِلَى أَنَّهُ مِنْ طَرِيقَةِ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ عَلَى وَجْهِ التَّنَازُلِ وَإِرْخَاءِ الْعِنَانِ، أَيْ هُوَ أُذُنٌ كَمَا قُلْتُمْ وَقَدِ انْتَفَعْتُمْ بِوَصْفِهِ ذَلِكَ إِذْ قَبِلَ مِنْكُمْ مَعَاذِيرَكُمْ وَتَبَرُّؤَكُمْ مِمَّا يَبْلُغُهُ عَنْكُمْ، وَهَذَا لَيْسَ بِالرَّشِيقِ لِأَنَّ مَا كَانَ خَيْرًا لَهُمْ قَدْ يَكُونُ شَرًّا لِغَيْرِهِمْ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ وَحْدَهُ أُذُنٌ- بِسُكُونِ الذَّالِ فِيهِمَا- وَقَرَأَ الْبَاقُونَ- بِضَمِّ الذَّالِ فِيهِمَا-.

وَجُمْلَةُ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ تَمْهِيدٌ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ إِذْ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْجَوَابِ لِتَمَحُّضِهِ لِلْخَيْرِ وَبُعْدِهِ عَنِ الشَّرِّ بِأَنَّهُ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ فَهُوَ يُعَامِلُ النَّاسَ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْمُعَامَلَةِ بِالْعَفْوِ، وَالصَّفْحِ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الْجَاهِلِينَ، وَبِأَنْ لَا يُؤَاخذ أحد إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، فَالنَّاسُ فِي أَمْنٍ مِنْ جَانِبِهِ فِيمَا يَبْلُغُ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُعَامِلُ إِلَّا بِالْوَجْهِ الْمَعْرُوفِ فَكَوْنُهُ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَازِعٌ لَهُ عَنِ الْمُؤَاخَذَةِ بِالظِّنَّةِ وَالتُّهْمَةِ.

وَالْإِيمَانُ لِلْمُؤْمِنِينَ تَصْدِيقُهُمْ فِي مَا يُخْبِرُونَهُ، يُقَالُ: آمَنَ لِفُلَانٍ بِمَعْنَى صَدَّقَهُ، وَلِذَلِكَ عُدِّيَ بِاللَّامِ دُونَ الْبَاءِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ [يُوسُف:

١٧] فَتَصْدِيقُهُ إِيَّاهُمْ لِأَنَّهُمْ صَادِقُونَ لَا يَكْذِبُونَ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ وَازِعٌ لَهُمْ عَنْ أَنْ يُخْبِرُوهُ الْكَذِبَ، فَكَمَا أَنَّ الرَّسُولَ لَا يُؤَاخِذُ أَحَدًا بِخَبَرِ الْكَاذِبِ فَهُوَ يُعَامِلُ النَّاسَ بِشَهَادَةِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَوْلُهُ: وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ثَنَاءٌ عَلَيْهِ بِذَلِكَ يَتَضَمَّنُ الْأَمْرَ بِهِ، فَهُوَ ضِدُّ قَوْلِهِ:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات: ٦] .

وَعَطْفُ جُمْلَةِ وَرَحْمَةٌ عَلَى جُمْلَتِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّ كَوْنَهُ رَحْمَةً لِلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِنِفَاقِهِمْ أَثَرٌ لِإِغْضَائِهِ عَنْ إِجْرَامِهِمْ وَلِإِمْهَالِهِمْ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنَ الْإِيمَانِ مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ لِلْإِيمَانِ مِنْهُمْ، وَلَوْ آخَذَهُمْ بِحَالِهِمْ دُونَ مَهَلٍ لَكَانَ مِنْ سَبْقِ السَّيْفِ الْعَذَلَ، فَالْمُرَادُ مِنَ الْإِيمَانِ فِي قَوْلِهِ: آمَنُوا الْإِيمَانَ بِالْفِعْلِ، لَا التَّظَاهُرَ