وَضَمِيرُ هوَ عَائِدٌ لِلْمُضَافِ إِلَيْهِ (كُلٍّ) الْمَحْذُوفِ.
وَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ لِمُوَلِّيهَا مَحْذُوفٌ إِذِ التَّقْدِيرُ هُوَ مُوَلِّيهَا نَفْسَهُ أَوْ وَجْهَهُ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَاهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ [الْبَقَرَة: ١٤٢] وَالْمَعْنَى هُوَ مُقْبِلٌ عَلَيْهَا وملازم لَهَا.
وَقِرَاءَة الْجُمْهُورُ «مُوَلِّيهَا» بِيَاءٍ بَعْدَ اللَّامِ وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ «هُوَ مُوَلَّاهَا» بِأَلْفٍ بَعْدَ اللَّامِ
بِصِيغَةِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ أَيْ يُوَلِّيهِ إِيَّاهَا مُوَلٍّ وَهُوَ دِينُهُ وَنَظَرُهُ، وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْوِجْهَةِ الْقِبْلَةُ فَاسْتَبِقُوا أَنْتُمْ إِلَى الْخَيْرِ وَهُوَ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ لِكُلِّ أُمَّةٍ قِبْلَةٌ فَلَا سَبِيلَ إِلَى اجْتِمَاعِكُمْ عَلَى قِبْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْزَمُوا قِبْلَتَكُمُ الَّتِي هِيَ قِبْلَةُ إِبْرَاهِيمَ فَإِنَّكُمْ عَلَى الْخَيْرَاتِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ هَيْكَلُ قِبْلَةٍ فَلَا سَبِيلَ إِلَى اجْتِمَاعِكُمْ عَلَى قِبْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْزَمُوا قِبْلَتَكُمُ الَّتِي هِيَ قِبْلَةُ إِبْرَاهِيمَ، فَإِنَّكُمْ عَلَى الْخَيْرَاتِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ لِكُلِّ قَوْمٍ قِبْلَةٌ فَلَا يَضُرُّكُمْ خِلَافُهُمْ وَاتْرُكُوهُمْ وَاسْتَبِقُوا إِلَى الْخَيْرَاتِ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ لِكُلِّ طَائِفَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ جِهَةٌ مِنَ الْكَعْبَةِ سَيَسْتَقْبِلُونَهَا. وَمَعَانِي الْقُرْآنِ تُحْمَلُ عَلَى أَجْمَعِ الْوُجُوهِ وأشملها.
وَقَوله: اسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ
تَفْرِيعٌ لِلْأَمْرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَيْ لَمَّا تَعَدَّدَتِ الْمَقَاصِدُ.
فَالْمُنَافَسَةُ تَكُونُ فِي مُصَادَفَةِ الْحَقِّ.
وَالِاسْتِبَاقُ افْتِعَالٌ وَالْمُرَادُ بِهِ السَّبْقُ وَحَقُّهُ التَّعْدِيَةُ بِاللَّامِ إِلَّا أَنَّهُ تُوُسِّعَ فِيهِ فَعُدِّيَ بِنَفْسِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاسْتَبَقَا الْبابَ [يُوسُف: ٢٥] أَوْ عَلَى تَضْمِينِ اسْتَبِقُوا مَعْنَى اغْتَنِمُوا. فَالْمُرَادُ مِنَ الِاسْتِبَاقِ هُنَا الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ وَهُوَ الْحِرْصُ عَلَى مُصَادَفَةِ الْخَيْرِ وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ والخيرات جَمْعُ خَيْرٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ كَمَا قَالُوا سُرَادِقَاتٍ وَحَمَّامَاتٍ. وَالْمُرَادُ عُمُومُ الْخَيْرَاتِ كُلِّهَا فَإِنَّ الْمُبَادَرَةَ إِلَى الْخَيْرِ مَحْمُودَةٌ وَمِنْ ذَلِكَ الْمُبَادَرَةُ بِالتَّوْبَةِ خشيَة هاذم اللَّذَّاتِ وَفَجْأَةِ الْفَوَاتِ قَالَ تَعَالَى: وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمرَان: ١٣٣] ، وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ، فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ [الْوَاقِعَة: ١٠- ١٢] وَمِنْ ذَلِكَ فَضِيلَةُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ قَالَ تَعَالَى: لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا [الْحَدِيد: ١٠] وَقَالَ مُوسَى: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى [طه: ٨٤] .
وَقَوله: يْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً
جُمْلَةٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ لِلْأَمْرِ بِاسْتِبَاقِ الْخَيْرَاتِ وَلِذَلِكَ فُصِّلَتْ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَا تُعْطَفُ إِذْ هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ، وَالْمَعْنَى فَاسْتَبِقُوا إِلَى الْخَيْرِ لِتَكُونُوا مَعَ الَّذِينَ يَأْتِي بِهِمُ اللَّهُ لِلرَّفِيقِ الْحَسَنِ لِأَنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالنَّاسِ جَمِيعًا خَيْرِهِمْ وَشَرِّهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute