للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَصْلُ هَذِهِ اللَّامِ أَنَّهَا اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ. اسْتُعِيرَ حَرْفُ الِاخْتِصَاصِ لِمَعْنَى الِاسْتِعْلَاءِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَزِيدِ التَّمَكُّنِ كَتَمَكُنِّ الشَّيْءِ بِمَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِهِ.

وَالْأَذْقَانُ: جَمْعُ الذَّقَنِ- بِفَتْحِ الذَّالِ وَفَتْحِ الْقَافِ- مُجْتَمَعُ اللَّحْيَيْنِ. وَذَكَرَ الذَّقَنَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَمْكِينِهِمُ الْوُجُوهَ كُلَّهَا مِنَ الْأَرْضِ مِنْ قُوَّةِ الرَّغْبَةِ فِي السُّجُودِ لِمَا فِيهِ مِنِ اسْتِحْضَارِ الْخُضُوعِ لِلَّهِ تَعَالَى.

وسُجَّداً جَمْعُ سَاجِدٍ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ يَخِرُّونَ لِبَيَانِ الْغَرَضِ مِنْ هَذَا الْخُرُورِ، وَسُجُودُهُمْ سُجُودُ تَعْظِيمٍ لِلَّهِ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ آيَةٍ مِنْ دَلَائِلِ عَلْمِهِ وَصَدِقِ رُسُلِهِ وَتَحْقِيقِ وَعْدِهِ.

وَعُطِفَتْ وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا عَلَى يَخِرُّونَ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُمْ يَجْمَعُونَ بَيْنَ الْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَى الْخُضُوعِ وَالْقَوْلِ الدَّالِّ عَلَى التَّنْزِيهِ وَالتَّعْظِيمِ. وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ: خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ [السَّجْدَة: ١٥] . عَلَى أَنَّ فِي قَوْلِهِمْ: سُبْحانَ رَبِّنا دَلَالَةٌ عَلَى التَّعَجُّبِ وَالْبَهْجَةِ مِنْ تَحَقُّقِ وَعْدِ اللَّهِ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ بِمَجِيءِ الرَّسُول الْخَاتم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَجُمْلَةُ إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا مِنْ تَمَامِ مَقُولِهِمْ. وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْقَوْلِ، لِأَنَّ تَسْبِيحَهُمْ قَبْلَهُ تَسْبِيحُ تَعَجُّبٍ وَاعْتِبَارٍ بِأَنَّهُ الْكِتَابُ الْمَوْعُودُ بِهِ وَبِرَسُولِهِ فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ.

وَ (إِنْ) مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَقَدْ بَطَلَ عَمَلُهَا بِسَبَبِ التَّخْفِيفِ، وَوَلِيَهَا فِعْلٌ مِنْ نَوَاسِخِ الْمُبْتَدَأِ جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ فِي اسْتِعْمَالِ الْمُخَفَّفَةِ. وَقُرِنَ خَبَرُ النَّاسِخِ بِاللَّامِ الْفَارِقَةِ بَيْنَ الْمُخَفَّفَةِ وَالنَّافِيَةِ.

وَالْوَعْدُ بَاقٍ عَلَى أَصْلِهِ مِنَ الْمَصْدَرِيَّةِ. وَتَحْقِيقُ الْوَعْدِ يَسْتَلْزِمُ تَحْقِيقَ الْمَوْعُودِ بِهِ فَحَصَلَ التَّصْدِيقُ بِالْوَعْدِ وَالْمَوْعُودِ بِهِ.

وَمعنى لَمَفْعُولًا أَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا جَاءَ فِي وَعْدِهِ، أَيْ يُكَوِّنُهُ وَيُحَقِّقُهُ، وَهَذَا السُّجُودُ سُجُودُ تَعْظِيمٍ لِلَّهِ إِذْ حَقَّقَ وَعْدَهُ بَعْدَ سِنِينَ طَوِيلَةٍ.