وَأُكِّدَ مَهَّدْتُ بِمَصْدَرِهِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ لِيُتَوَسَّلَ بِتَنْكِيرِهِ لِإِفَادَةِ تَعْظِيمِ ذَلِكَ التَّمْهِيدِ وَلَيْسَ يَطَّرِدُ أَنْ يَكُونَ التَّأْكِيدُ لِرَفْعِ احْتِمَالِ الْمَجَازِ.
وَوُصِفُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا لَهُ مِنَ النَّعْمَةِ وَالسَّعَةِ لِأَنَّ الْآيَةَ فِي سِيَاقِ الِامْتِنَانِ عَلَيْهِ تَوْطِئَةً لِتَوْبِيخِهِ وَتَهْدِيدِهِ بِسُوءٍ فِي الدُّنْيَا وَبِعَذَابِ النَّارِ فِي الْآخِرَةِ، فَأَمَّا فِي آيَةِ سُورَةِ الْقَلَمِ فَقَدْ وَصَفَهُ بِمَا فِيهِ مِنَ النَّقَائِصِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ [الْقَلَم: ١٠] إِلَخْ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ (وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ احْتِمَالٌ) لِأَنَّ تِلْكَ الْآيَةَ فِي مَقَامِ التَّحْذِيرِ مِنْ شَرِّهِ وَغَدْرِهِ.
وثُمَّ فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ يَطْمَعُ لِلتَّرَاخِي الرُّتَبِيِّ، أَيْ وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَطْمَعُ فِي
الزِّيَادَةِ مِنْ تِلْكَ النِّعَمِ وَذَلِكَ بِمَا يُعْرَفُ مِنْ يُسْرِ أُمُورِهِ. وَهَذَا مُشْعِرٌ بِاسْتِبْعَادِ حُصُولِ الْمَطْمُوعِ فِيهِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ: كَلَّا.
وَالطَّمَعُ: طَلَبُ الشَّيْءِ الْعَظِيمِ وَجُعِلَ مُتَعَلِّقُ طَمَعِهِ زِيَادَةً مِمَّا جَعَلَ اللَّهُ لَهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يُسْنِدُونَ الرِّزْقَ إِلَى الْأَصْنَامِ، أَوْ لِأَنَّهُ طَمَعٌ فِي زِيَادَةِ النِّعْمَةِ غَيْرَ مُتَذَكِّرٍ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَيَكُونُ إِسْنَادُ الزِّيَادَةِ إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ إِدْمَاجًا بِتَذْكِيرِهِ بِأَنَّ مَا طَمِعَ فِيهِ هُوَ مِنْ عِنْدِ الَّذِي كَفَرَ هُوَ بِنِعْمَتِهِ فَأَشْرَكَ بِهِ غَيْرَهُ فِي الْعِبَادَةِ.
وَلِهَذِهِ النُّكْتَةِ عُدِلَ عَنْ أَنْ يُقَالَ: يَطْمَعُ فِي الزِّيَادَةِ، أَوْ يَطْمَعُ أَنْ يُزَادَ.
وكَلَّا رَدْعٌ وَإِبْطَالٌ لِطَمَعِهِ فِي الزِّيَادَةِ مِنَ النِّعَمِ وَقَطْعٌ لِرَجَائِهِ.
وَالْمَقْصُودُ إِبْلَاغُ هَذَا إِلَيْهِ مَعَ تَطْمِينِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الْوَلِيدَ سَيُقْطَعُ عَنْهُ مَدَدُ الرِّزْقِ لِئَلَّا تَكُونَ نِعْمَتُهُ فتْنَة لغيره فَمن الْمُعَانِدِينَ فَيُغْرِيهِمْ حَالُهُ بِأَنَّ عِنَادَهُمْ لَا يَضُرُّهُمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَحْسَبُونَ حَيَاةً بَعْدَ هَذِهِ كَمَا حَكَى اللَّهُ مِنْ قَوْلِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ [يُونُس: ٨٨] .
وَفِي هَذَا الْإِبْطَالِ وَالرَّدْعِ إِيذَانٌ بِأَنَّ كُفْرَانَ النِّعْمَةِ سَبَبٌ لِقَطْعِهَا قَالَ تَعَالَى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ [إِبْرَاهِيم: ٧] ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ: «مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النِّعَمَ فَقَدْ تَعْرَّضَ لِزَوَالِهَا، وَمَنْ شَكَرَهَا فَقَدْ قَيَّدَهَا بِعِقَالِهَا» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute