وَكَانَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ يُلَقَّبُ فِي قُرَيْشٍ بِالْوَحِيدِ لِتَوَحُّدِهِ وَتَفَرُّدِهِ بِاجْتِمَاعِ مَزَايَا لَهُ لَمْ تَجْتَمِعْ لِغَيْرِهِ من طبقته وَهِي كَثْرَةُ الْوَلَدِ وَسَعَةُ الْمَالِ، وَمَجْدُهُ وَمَجْدُ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ، وَكَانَ مَرْجِعَ قُرَيْشٍ فِي أُمُورِهِمْ لِأَنَّهُ كَانَ أَسَنَّ مِنْ أَبِي جَهْلٍ وَأَبِي سُفْيَانَ، فَلَمَّا اشْتُهِرَ بِلَقَبِ الْوَحِيدِ كَانَ هَذَا الْكَلَامُ إِيمَاءً إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمُشْتَهِرِ بِهِ. وَجَاءَ هَذَا الْوَصْفُ بَعْدَ فِعْلِ خَلَقْتُ، لِيَصْرِفَ هَذَا الْوَصْفَ عَمَّا كَانَ مُرَادًا بِهِ فَيَنْصَرِفَ إِلَى مَا يَصْلُحُ لِأَنْ يُقَارِنَ فِعْلَ خَلَقْتُ أَيْ أَوْجَدْتُهُ وَحِيدًا عَنِ الْمَالِ وَالْبَنِينَ وَالْبَسْطَةِ، فَيُغَيَّرُ عَنْ غَرَضِ الْمَدْحِ
وَالثَّنَاءِ الَّذِي كَانُوا يَخُصُّونَهُ بِهِ، إِلَى غَرَضِ الِافْتِقَارِ إِلَى اللَّهِ الَّذِي هُوَ حَالُ كُلِّ مَخْلُوقٍ فَتَكُونُ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً [النَّحْل: ٧٨] الْآيَةَ.
وَعُطِفَ عَلَى ذَلِكَ وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا عَطْفَ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ.
وَالْمَمْدُودُ: اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ مَدَّ الَّذِي بِمَعْنَى: أَطَالَ، بِأَنْ شُبِّهَتْ كَثْرَةُ الْمَالِ بِسَعَةِ مِسَاحَةِ الْجِسْمِ، أَوْ مِنْ مَدَّ الَّذِي بِمَعْنَى: زَادَ فِي الشَّيْءِ مِنْ مِثْلِهِ، كَمَا يُقَالُ: مَدَّ الْوَادِي النَّهْرَ، أَيْ مَالًا مَزِيدًا فِي مِقْدَارِهِ مَا يَكْتَسِبُهُ صَاحِبُهُ مِنَ الْمَكَاسِبِ. وَكَانَ الْوَلِيدُ مِنْ أَوْسَعِ قُرَيْشٍ ثَرَاءً. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ مَالُ الْوَلِيدِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ مِنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْعَبِيدِ وَالْجَوَارِي وَالْجِنَانِ وَكَانَتْ غَلَّةُ مَالِهِ أَلْفَ دِينَارٍ (أَيْ فِي السَّنَةِ) .
وَامْتَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِنِعْمَةِ الْبَنِينَ وَوَصَفَهُمْ بِشُهُودٍ جَمْعِ شَاهِدٍ، أَيْ حَاضِرٍ، أَيْ لَا يُفَارِقُونَهُ فَهُوَ مُسْتَأْنِسٌ بِهِمْ لَا يَشْتَغِلُ بَالُهُ بِمَغِيبِهِمْ وَخَوْفِ مَعَاطِبِ السَّفَرِ عَلَيْهِمْ فَكَانُوا بِغِنًى عَنْ طَلَبِ الرِّزْقِ بِتِجَارَةٍ أَوْ غَارَةٍ، وَكَانُوا يَشْهَدُونَ مَعَهُ الْمَحَافِلَ فَكَانُوا فَخْرًا لَهُ، قِيلَ: كَانَ لَهُ عَشَرَةُ بَنِينَ وَقِيلَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ ابْنًا، وَالْمَذْكُورُ مِنْهُمْ سَبْعَةٌ، وَهُمْ: الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَخَالِدٌ، وَعُمَارَةُ، وَهِشَامٌ، وَالْعَاصِي، وَقَيْسٌ أَوْ أَبُو قَيْسٍ، وَعَبْدُ شَمْسٍ (وَبِهِ يُكَنَّى) . وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ حَزْمٍ فِي «جَمْهَرَةِ الْأَنْسَابِ» : الْعَاصِيَ. وَاقْتَصَرَ عَلَى سِتَّةٍ.
وَالتَّمْهِيدُ: مَصْدَرُ مَهَّدَ بِتَشْدِيدِ الْهَاءِ الدَّالِّ عَلَى قُوَّةِ الْمَهْدِ. وَالْمَهْدُ: تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَإِزَالَةُ مَا يُقِضُّ جَنْبَ الْمُضْطَجِعِ عَلَيْهَا، وَمَهْدُ الصَّبِيِّ تَسْمِيَةٌ بِالْمَصْدَرِ.
وَالتَّمْهِيدُ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِتَيْسِيرِ أُمُورِهِ وَنَفَاذِ كَلِمَتِهُ فِي قَوْمِهِ بِحَيْثُ لَا يَعْسُرُ عَلَيْهِ مَطْلَبٌ وَلَا يَسْتَعْصِي عَلَيْهِ أَمْرٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute