للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ الْعَدُوُّ كَالصَّدِيقِ، وَحُسْنُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ مَقْبُولٌ فَلَا جَرَمَ أَنْ يَدُلَّ حُسْنُهُ عَلَى حُسْنِ سَبَبِهِ.

وَلِذِكْرِ الْمَثَلِ وَالنَّتَائِجِ عَقِبَ الْإِرْشَادِ شَأْنٌ ظَاهِرٌ فِي تَقْرِيرِ الْحَقَائِقِ وَخَاصَّةً الَّتِي قَدْ لَا تَقْبَلُهَا النُّفُوسُ لِأَنَّهَا شَاقَّةٌ عَلَيْهَا، وَالْعَدَاوَةُ مَكْرُوهَةٌ وَالصَّدَاقَةُ وَالْوِلَايَةُ مَرْغُوبَةٌ، فَلَمَّا كَانَ الْإِحْسَانُ لِمَنْ أَسَاءَ يُدْنِيهِ مِنَ الصَّدَاقَةِ أَوْ يُكْسِبُهُ إِيَّاهَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ شَوَاهِدِ مَصْلَحَةِ الْأَمْرِ بِالدَّفْعِ بِالَّتِي هِيَ أحسن.

و (إِذا) لِلْمُفَاجَأَةِ، وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنْ سُرْعَةِ ظُهُورِ أَثَرِ الدَّفْعِ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فِي انْقِلَابِ الْعَدُوِّ صَدِيقًا. وَعَدَلَ عَنْ ذِكْرَ الْعَدُوِّ مُعَرَّفًا بِلَامِ الْجِنْسِ إِلَى ذِكْرِهِ بِاسْمِ الْمَوْصُولِ لِيَتَأَتَّى تَنْكِيرُ عَدَاوَةٍ لِلنَّوْعِيَّةِ وَهُوَ أَصْلُ التَّنْكِيرِ فَيَصْدُقُ بِالْعَدَاوَةِ الْقَوِيَّةِ وَدُونِهَا، كَمَا أَنَّ ظَرْفَ

بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ يَصْدُقُ بِالْبَيْنِ الْقَرِيبِ وَالْبَيْنِ الْبَعِيدِ، أَعْنِي مُلَازِمَةَ الْعَدَاوَةِ أَوْ طَرُوَّهَا.

وَهَذَا تَرْكِيبٌ مِنْ أَعْلَى طَرَفِ الْبَلَاغَةِ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ أَحْوَالَ الْعَدَاوَاتِ فَيُعْلَمُ أَنَّ الْإِحْسَانَ نَاجِعٌ فِي اقْتِلَاعِ عَدَاوَةِ الْمُحْسَنِ إِلَيْهِ لِلْمُحْسِنِ عَلَى تَفَاوُتِ مَرَاتِبِ الْعَدَاوَةِ قُوَّةً وَضَعْفًا، وَتَمَكُّنًا وَبُعْدًا، وَيُعْلَمُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْإِحْسَانُ لِلْعَدُوِّ قَوِيًّا بِقَدْرِ تَمَكُّنِ عَدَاوَتِهِ لِيَكُونَ أَنْجَعَ فِي اقْتِلَاعِهَا. وَمِنَ الْأَقْوَالِ الْمَشْهُورَةِ: النُّفُوسُ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهَا.

وَالتَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ: كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، تَشْبِيهٌ فِي زَوَالِ الْعَدَاوَةِ وَمُخَالَطَةِ شَوَائِبِ الْمَحَبَّةِ، فَوَجْهُ الشَّبَهِ هُوَ الْمُصَافَاةُ وَالْمُقَارَبَةُ وَهُوَ مَعْنًى مُتَفَاوِتُ الْأَحْوَالِ، أَيْ مَقُولٌ عَلَى جِنْسِهِ بِالتَّشْكِيكِ عَلَى اخْتِلَافِ تَأَثُّرِ النَّفْسِ بِالْإِحْسَانِ وَتَفَاوُتِ قُوَّةِ الْعَدَاوَةِ قَبْلَ الْإِحْسَانِ، وَلَا يَبْلُغُ مَبْلَغَ الْمُشَبَّهِ بِهِ إِذْ مِنَ النَّادِرِ أَنْ يَصِيرَ الْعَدُوُّ وَلِيًّا حَمِيمًا، فَإِنْ صَارَهُ فَهُوَ لِعَوَارِضَ غَيْرِ دَاخِلَةٍ تَحْتَ مَعْنَى الْإِسْرَاعِ الَّذِي آذَنَتْ بِهِ (إِذَا) الْفُجَائِيَّةُ. وَالْعَدَاوَةُ الَّتِي بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَبَين النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَاوَةٌ فِي الدِّينِ، فَالْمَعْنَى: فَإِذَا