للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمَعْنَى مِنْ قَبْلُ مِنْ قَبْلِ الْتِقَاطِهِ وَهُوَ إِيذَانٌ بِأَنَّ ذَلِكَ التَّحْرِيمَ مِمَّا تَعَلَّقَ بِهِ عِلْمُ اللَّهِ وَإِرَادَتُهُ فِي الْأَزَلِ.

وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ فَقالَتْ فَاءٌ فَصِيحَةٌ تُؤْذِنُ بِجُمْلَةٍ مُقَدَّرَةٍ، أَيْ فَأَظْهَرَتْ أُخْتُهُ نَفْسَهَا كَأَنَّهَا مَرَّتْ بِهِمْ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ. وَإِنَّمَا قَالَتْ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ فَشَا فِي النَّاسِ طَلَبُ الْمَرَاضِعِ لَهُ وَتَبْدِيلُ مُرْضِعَةٍ عَقِبَ أُخْرَى حَتَّى عُرِضَ عَلَى عَدَدٍ كَثِيرٍ فِي حِصَّةٍ قَصِيرَةٍ، وَذَلِكَ بِسُرْعَةِ مَقْدِرَةِ آلِ فِرْعَوْنَ وَكَثْرَةِ تَفْتِيشِهِمْ عَلَى الْمَرَاضِعِ حَتَّى أَلْفَوْا عَدَدًا كَثِيرًا فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ، وَأَيْضًا لِعَرْضِ الْمَرَاضِعِ أَنْفُسَهُنَّ عَلَى آلِ فِرْعَوْنَ لَمَّا شَاعَ أَنَّهُمْ يَتَطَلَّبُونَ مُرْضِعًا.

وَعَرَضَتْ سَعْيَهَا فِي ذَلِكَ بِطَرِيقِ الِاسْتِفْهَامِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْعَرْضِ تَلَطُّفًا مَعَ آل فِرْعَوْن وإبعادا لِلظِّنَّةِ عَنْ نَفْسِهَا.

وَمَعْنَى يَكْفُلُونَهُ يَتَعَهَّدُونَ بِحِفْظِهِ وَإِرْضَاعِهِ. فَيَدُلُّ هَذَا عَلَى أَنَّ عَادَتَهُمْ فِي الْإِرْضَاعِ أَنْ يسلم الطِّفْل الرَّضِيع إِلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي تُرْضِعُهُ يَكُونُ عِنْدَهَا كَمَا كَانَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ لِأَنَّ النِّسَاءَ الْحَرَائِرَ لَمْ يَكُنَّ يَرْضَيْنَ بِتَرْكِ بُيُوتِهِنَّ وَالِانْتِقَالِ إِلَى بُيُوتِ آلِ الْأَطْفَالِ الرُّضَعَاءِ. كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ إِرْضَاعِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ حَلِيمَةَ بِنْتِ وَهْبٍ فِي حَيِّ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ. قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : فَدَفَعَهُ فِرْعَوْنُ إِلَيْهَا وَأَجْرَى لَهَا وَذَهَبَتْ بِهِ إِلَى بَيْتِهَا.

وَالْعُدُولُ عَنِ الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ إِلَى الِاسْمِيَّةِ فِي قَوْلِهِ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ لِقَصْدِ تَأْكِيدِ أَنَّ النُّصْحَ مِنْ سَجَايَاهُمْ وَمِمَّا ثَبَتَ لَهُمْ فَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: وَيَنْصَحُونَ لَهُ كَمَا قِيلَ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ أَمْرٌ سَهْلٌ بِخِلَافِ النُّصْحِ وَالْعِنَايَةِ.

وَتَعْلِيقُ لَهُ بِ ناصِحُونَ لَيْسَ عَلَى مَعْنَى التَّقْيِيدِ بَلْ لِأَنَّهُ حِكَايَةُ الْوَاقِعِ. فَالْمَعْنَى:

أَنَّ النُّصْحَ مِنْ صِفَاتِهِمْ فَهُوَ حَاصِلٌ لَهُ كَمَا يَحْصُلُ لِأَمْثَالِهِ حَسَبَ سَجِيَّتِهِمْ. وَالنُّصْحُ: الْعَمَلُ الْخَالِصُ الْخَلِيُّ مِنَ التَّقْصِير وَالْفساد.