للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِنَّمَا قَالَ: فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ دُونَ أَنْ يَقُولَ: فَأَخْرَجْنَا لُوطًا وَأَهْلَ بَيْتِهِ قَصْدًا لِلتَّنْوِيهِ بِشَأْنِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ، أَيْ أَنَّ اللَّهَ نَجَّاهُمْ مِنَ الْعَذَابِ لِأَجْلِ إِيمَانِهِمْ بِمَا جَاءَ بِهِ رَسُولُهُمْ لَا لِأَجْلِ أَنَّهُمْ أَهْلُ لُوطٍ، وَأَنَّ كَوْنَهُمْ أَهْلَ بَيْتِ لُوطٍ لِأَنَّهُمُ انْحَصَرَ فِيهِمْ وَصْفُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تِلْكَ الْقَرْيَةِ، فَكَانَ كَالْكُلِّيِّ الَّذِي انْحَصَرَ فِي فَرْدٍ مُعَيَّنٍ.

وَالْمُؤْمِنُ: هُوَ الْمُصَدِّقُ بِمَا يَجِبُ التَّصْدِيقُ بِهِ. وَالْمُسْلِمُ الْمُنْقَادُ إِلَى مُقْتَضَى الْإِيمَانِ وَلَا نَجَاةَ إِلَّا بِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ، فَحَصَلَ فِي الْكَلَامِ مَعَ التَّفَنُّنِ فِي الْأَلْفَاظِ الْإِشَارَةُ إِلَى التَّنْوِيهِ بِكِلَيْهِمَا وَإِلَى أَنَّ النَّجَاةَ بِاجْتِمَاعِهِمَا.

وَالْآيَةُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّ امْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتْ تظهر الانقياد لزَوجهَا وَتُضْمِرُ الْكُفْرَ وَمُمَالَاةَ

أَهْلِ الْقَرْيَةِ عَلَى فَسَادِهِمْ، قَالَ تَعَالَى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما [التَّحْرِيم: ١٠] الْآيَةَ، فَبَيْتُ لُوطٍ كَانَ كُلُّهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَكُنْ كُلُّهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَلِذَلِكَ لَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ إِلَّا الَّذِينَ اتَّصَفُوا بِالْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ مَعًا.

وَالْوِجْدَانُ فِي قَوْلِهِ: فَما وَجَدْنا مُرَادٌ بِهِ تَعَلُّقُ علم الله تَعَالَى بِالْمَعْلُومِ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَهُوَ تَعَلُّقٌ تَنْجِيزِيٌّ، وَوِجْدَانُ الشَّيْءِ إِدْرَاكُهُ وَتَحْصِيلُهُ.

وَمَعْنَى وَتَرَكْنا فِيها آيَةً: أَنَّ الْقَرْيَةَ بَقِيَتْ خَرَابًا لَمْ تُعَمَّرْ، فَكَانَ مَا فِيهَا مِنْ آثَارِ الْخَرَابِ آيَةٌ لِلَّذِينَ يَخَافُونَ عَذَابَ اللَّهِ، قَالَ تَعَالَى فِي سُورَة الْحجر [٧٦] وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ، أَوْ يَعُودُ الضَّمِيرُ إِلَى مَا يُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ قَوْلِهِ: قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ [الذاريات: ٣٢] عَلَى تَأْوِيلِ الْكَلَامِ بِالْقِصَّةِ، أَيْ تَرَكْنَا فِي قِصَّتِهِمْ.

وَالتَّرْكُ حَقِيقَتُهُ: مُفَارَقَةُ شَخْصٍ شَيْئًا حَصَلَ مَعَهُ فِي مَكَانٍ فَفَارَقَ ذَلِكَ الْمَكَانَ وَأَبْقَى مِنْهُ مَا كَانَ مَعَهُ، كَقَوْلِ عَنْتَرَةَ:

فَتَرَكْتُهُ جَزَرَ السِّبَاعِ يَنُشْنَهُ وَيُطْلَقُ عَلَى التَّسَبُّبِ فِي إِيجَادِ حَالَةٍ تَطُولُ، كَقَوْلِ النَّابِغَةِ: