الْمَجَازِيِّ: شَبَّهَ أَمْرَهُمْ بِالضَّالَّةِ الَّتِي تَرَكَهَا النَّاسُ فَسَارَتْ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى مَرَاحِهَا، فَإِنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ عَبِيدُ اللَّهِ وَإِلَيْهِ يَرْجِعُونَ، وَاللَّهُ يُمْهِلُهُمْ ثُمَّ يَأْخُذُهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ حِينَ يَأْذَن لرَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِتَالِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذابٌ أَلِيمٌ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ
[الدُّخان: ١٠، ١٦] . وَالْبَطْشَةُ الْكُبْرَى هِيَ بَطْشَةُ يَوْمِ بَدْرٍ.
وَقَوْلُهُ: ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (ثُمَّ) فِيهِ لِلتَّرْتِيبِ الرُّتْبِيِّ مَعَ إِفَادَةِ الْمُهْلَةِ، أَيْ
يَبْقَى أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ مدّة. وَذَلِكَ هُوَ الْإِمْهَالِ وَالْإِمْلَاءِ لَهُمْ، ثُمَّ يُعَاقِبُهُمْ، فَأَطْلَقَ الْإِنْبَاءَ عَلَى الْعِقَابِ، لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْعِقَابُ عِقَابَ الْآخِرَةِ فَهُوَ يَتَقَدَّمُهُ الْحِسَابُ، وَفِيهِ إِنْبَاءُ الْجَانِي بِجِنَايَتِهِ وَبِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِهَا، فَإِطْلَاقُ الْإِنْبَاءِ عَلَيْهِ حَقِيقَةٌ مُرَادٌ مَعَهَا لَازِمُهُ عَلَى وَجْهِ الْكِنَايَةِ، وَإِنْ كَانَ الْعِقَابُ عِقَابَ الدُّنْيَا فَإِطْلَاقُ الْإِنْبَاءِ عَلَيْهِ مجَاز، لأنّه إِذَا نَزَلَ بِهِمُ الْعَذَابُ بَعْدَ الْوَعِيدِ عَلِمُوا أَنَّهُ الْعِقَابُ الْمَوْعُودُ بِهِ، فَكَانَ حُصُولُ ذَلِكَ الْعِلْمِ لَهُمْ عِنْدَ وُقُوعِهِ شَبِيهًا بِحُصُولِ الْعلم الْحَاصِل عَن الْإِخْبَارِ فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ الْإِنْبَاءَ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: يُنَبِّئُهُمْ بِمَعْنَى يُعَاقِبُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ.
وَوَصْفُ الْمُشْرِكِينَ بِأَنَّهُمْ فَرَّقُوا دَيْنَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا: يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ وَصْفٌ شَنِيعٌ، إِذْ مَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ إِلَّا فِي سِيَاقِ الذَّمِّ، فَيُؤْذِنُ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُحَذِّرُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَنْ يَكُونُوا فِي دِينِهِمْ كَمَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ فِي دِينِهِمْ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ- إِلَى قَوْلِهِ- أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [الشورى: ١٣] .
وَتَفْرِيقُ دِينِ الْإِسْلَامِ هُوَ تَفْرِيقُ أُصُولِهِ بَعْدَ اجْتِمَاعِهَا، كَمَا فَعَلَ بَعْضُ الْعَرَبِ مِنْ مَنْعِهِمُ الزَّكَاةَ بَعْدَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute