للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْعَارِضُ فِي قَوْلِهِمْ: هَذَا عارِضٌ مُمْطِرُنا: السَّحَابُ الْعَظِيمُ الَّذِي يَعْرِضُ فِي الْأُفُقِ كَالْجَبَلِ، ومُمْطِرُنا نَعْتٌ لِ عارِضٌ.

وَقَوْلُهُ: بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ مَقُولٌ لِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ هُودٍ إِنْ كَانَ هُودٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ وَلَمْ يَكُنْ خَرَجَ قَبْلَ ذَلِكَ إِلَى مَكَّةَ أَوْ هُوَ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ رِجَالِهِمْ رَأَى مَخَائِلَ الشَّرِّ فِي ذَلِكَ السَّحَابِ. قِيلَ: الْقَائِلُ هُوَ بَكْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ مِنْ قَوْمِ عَادٍ.

قَالَ لَمَّا رَآهُ: «إِنِّي لَأَرَى سَحَابًا مُرْمَدًا لَا تَدَعُ مِنْ عَادٍ أَحَدًا» لَعَلَّهُ تَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ مِنْ إِنْذَارِ هُودٍ حِينَ رَأَى عَارِضًا غَيْرَ مَأْلُوفٍ وَلَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ حَلَّ الْعَذَابُ بِهِمْ، أَوْ كَانَ قَدْ آمَنُ

مِنْ قَبْلُ فَنَجَّاهُ اللَّهُ مِنَ الْعَذَابِ بِخَارِقِ عَادَةٍ. وَإِنَّمَا حُذِفَ فِعْلُ الْقَوْلِ لِتَمْثِيلِ قَائِلِ الْقَوْلِ كَالْحَاضِرِ وَقْتَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَقَدْ سَمِعَ كَلَامَهُمْ وَعَلِمَ غُرُورَهُمْ فَنَطَقَ بِهَذَا الْكَلَامِ تَرْوِيعًا لَهُمْ. وَهَذَا مِنِ اسْتِحْضَارِ الْحَالَةِ الْعَجِيبَةِ كَقَوْلِ مَالِكِ بْنِ الرَّيْبِ:

دَعَانِي الْهَوَى مِنْ أَهْلِ وِدِّي وَجِيرَتِي ... بِذِي الشَّيِّطَيْنِ فَالْتَفَتُّ وَرَائِيَا

فَتَخَيَّلَ دَاعِيًا يَدْعُوهُ فَالْتَفَتَ، وَهَذَا مِنَ التَّخَيُّلِ فِي الْكَلَامِ الْبَلِيغِ.

وَجُعِلَ الْعَذَابُ مَظْرُوفًا فِي الرِّيحِ مُبَالَغَةً فِي التَّسَبُّبِ لِأَنَّ الظَّرْفِيَّةَ أَشَدُّ مُلَابَسَةً بَيْنَ الظَّرْفِ وَالْمَظْرُوفِ مِنْ مُلَابَسَةِ السَّبَبِ وَالْمُسَبِّبِ. وَالتَّدْمِيرُ: الْإِهْلَاكُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.

وكُلَّ شَيْءٍ مُسْتَعْمَلٍ فِي كَثْرَةِ الْأَشْيَاءِ فَإِنَّ (كُلًّا) تَأْتِي كَثِيرًا فِي كَلَامِهِمْ بِمَعْنَى الْكَثْرَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ فِي سُورَةِ يُونُسَ [٩٧] .

وَالْمَعْنَى: تُدَمِّرُ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ تُدَمِّرَهُ الرِّيحُ مِنَ الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ وَالدِّيَارِ.

وَقَوْلُهُ: بِأَمْرِ رَبِّها حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ تُدَمِّرُ. وَفَائِدَةُ هَذِهِ الْحَالِ تَقْرِيبُ كَيْفِيَّةِ تَدْمِيرِهَا كُلَّ شَيْءٍ، أَيْ تَدْمِيرًا عَجِيبًا بِسَبَبِ أَمْرِ رَبِّهَا، أَيْ تَسْخِيرِهِ الْأَشْيَاءَ لَهَا فَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ.