مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِلْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّ مَا يُلَاقُونَهُ مِنَ الْعَذَابِ مُسَبَّبٌ عَلَى ظُلْمِهِمْ، أَيْ شِرْكِهِمْ.
وَالْمَعْنَى: أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ فَلَا يَجِدُ وِقَايَةً تُنْجِيهِ مِنْ ذَوْقِ الْعَذَابِ فَيُقَالُ لَهُمْ: ذُوقُوا الْعَذَابَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يكون المُرَاد بالظالمين جَمِيعَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مِنَ الْأُمَمِ غَيْرُ خَاصٍّ بِالْمُشْرِكِينَ الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُمْ، فَيَكُونُ الظَّالِمِينَ إِظْهَارًا عَلَى أَصْلِهِ لِقَصْدِ التَّعْمِيمِ، فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ فِي مَعْنَى التَّذْيِيلِ، أَيْ وَيُقَالُ لِهَؤُلَاءِ وَأَشْبَاهِهِمْ، وَيَظْهَرُ بِذَلِكَ وَجْهُ تَعْقِيبِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [الزمر: ٢٥] .
وَجَاءَ فِعْلُ وَقِيلَ بِصِيغَةِ الْمُضِيِّ وَهُوَ وَاقِعٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّهُ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ فِعْلٍ مَضَى. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جُمْلَةُ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ بِتَقْدِيرِ (قَدْ) وَلِذَلِكَ لَا يُحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلِ صِيغَةِ الْمُضِيِّ عَلَى مَعْنَى الْأَمْرِ الْمُحَقَّقِ وُقُوعُهُ.
وَالذَّوْقُ: مُسْتَعَارٌ لِإِحْسَاسِ ظَاهِرِ الْجَسَدِ لِأَنَّ إِحْسَاسَ الذَّوْقِ بِاللِّسَانِ أَشَدُّ مِنْ إِحْسَاسِ ظَاهِرِ الْجِلْدِ فَوَجْهُ الشَّبَهِ قُوَّةُ الْجِنْسِ.
وَالْمَذُوقُ: هُوَ الْعَذَابُ فَهُوَ جَزَاءُ مَا اكْتَسَبُوهُ فِي الدُّنْيَا مِنَ الشِّرْكِ وَشَرَائِعِهِ، فَجُعِلَ الْمَذُوقُ نَفْسُ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ مُبَالِغَةً مُشِيرَةً إِلَى أَنَّ الْجَزَاءَ وَفْقُ أَعْمَالِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَادِلٌ فِي تَعْذِيبِهِمْ.
وَأُوثِرَ تَكْسِبُونَ عَلَى (تَعْمَلُونَ) لِأَنَّ خِطَابَهُمْ كَانَ فِي حَالِ اتِّقَائِهِمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَلَا يَخْلُو حَالُ الْمُعَذَّبِ مِنَ التَّبَرُّمِ الَّذِي هُوَ كَالْإِنْكَارِ عَلَى مُعَذِّبِهِ. فَجِيءَ بِالصِّلَةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ مَا ذَاقُوهُ جَزَاءُ مَا اكْتَسَبُوهُ قطعا لتبرمهم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute