للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التَّعْلِيلِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعْنَى (إِلَى) لِأَنَّ الْغَايَةَ الْمُقَدَّرَةَ مِنَ اللَّهِ تُشْبِهُ الْعِلَّةَ فِيمَا يُفْضِي إِلَيْهَا، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي سُورَةِ الْحَجِّ.

وَقَوْلُهُ: وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى عَطْفٌ عَلَى لِتَكُونُوا شُيُوخاً أَيْ لِلشَّيْخُوخَةِ غَايَةٌ

وَهِيَ الْأَجَلُ الْمُسَمَّى أَيِ الْمَوْتُ فَلَا طَوْرَ بَعْدَ الشَّيْخُوخَةِ. وَأَمَّا الْأَجَلُ الْمُقَدَّرُ لِلَّذِينَ يَهْلِكُونَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا الشَّيْخُوخَةَ فَقَدِ اسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ: وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ أَنَّ مِنْ قَبْلِ بَعْضِ هَذِهِ الْأَطْوَارِ، أَيْ يُتَوَفَّى قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ طِفْلًا وَهُوَ السَّقْطُ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الْأَشُدَّ، أَوْ يُتَوَفَّى قَبْلَ أَنْ يَكُونَ شَيْخًا. وَلِتَعَلُّقِهِ بِمَا يَلِيهِ خَاصَّةً عُطِفَ عَلَيْهِ بِالْوَاوِ وَلَمْ يُعْطَفْ بِ (ثُمَّ) كَمَا عُطِفَتِ الْمَجْرُورَاتُ الْأُخْرَى، وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ انْقِرَاضَ الْأَجْيَالِ وَخَلَقَهَا بِأَجْيَالٍ أُخْرَى، فَالْحَيُّ غَايَتُهُ الْفَنَاءُ وَإِنْ طَالَتْ حَيَاتُهُ، وَلَمَّا خَلَقَهُ على حَالَة تؤول إِلَى الْفَنَاءِ لَا مَحَالَةَ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْغَايَاتِ فِي ذَلِكَ الْخَلْقِ أَنْ يَبْلُغُوا أَجَلًا.

وَبُنِيَ قَبْلُ عَلَى الضَّمِّ عَلَى نِيَّةِ مَعْنَى الْمُضَافِ إِلَيْهِ، أَيْ مِنْ قَبْلِ مَا ذُكِرَ. وَالْأَشُدُّ:

الْقُوَّةُ فِي الْبَدَنِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ ثَمَان عشرَة سنة إِلَى الثَلَاثِينَ وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ يُوسُفَ [٢٢] .

وَشُيُوخٌ: جَمْعُ شَيْخٍ، وَهُوَ مَنْ بَلَغَ سِنَّ الْخَمْسِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهذا بَعْلِي شَيْخاً فِي سُورَةِ هُودٍ [٧٢] . وَيَجُوزُ فِي (شُيُوخٍ) ضَمُّ الشِّينِ. وَبِهِ قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ وَخَلَفٌ. وَيَجُوزُ كَسْرُ الشِّينِ وَبِهِ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ.

وَقَوْلُهُ: وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ عَطْفٌ عَلَى وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى أَيْ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا أَرَادَهُ اللَّهُ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ عَلَى الْحَالَةِ الْمُبَيَّنَةِ، أَنْ تَكُونَ فِي تِلْكَ الْخِلْقَةِ دَلَالَةٌ لِآحَادِهِ عَلَى وُجُودِ هَذَا الْخَالِقِ الْخَلْقَ الْبَدِيعَ، وَعَلَى انْفِرَادِهِ بِالْإِلَهِيَّةِ، وَعَلَى أَنَّ مَا عَدَاهُ لَا يَسْتَحِقُّ وَصْفَ الْإِلَهِيَّةِ، فَمَنْ عَقَلَ ذَلِكَ مِنَ النَّاسِ فَقَدِ اهْتَدَى إِلَى مَا أُرِيدَ مِنْهُ وَمَنْ لَمْ يَعْقِلْ ذَلِكَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ عَدِيمِ الْعَقْلِ. وَلِأَجْلِ هَذِهِ النُّكْتَةِ لَمْ يُؤْتَ