وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ عُمُومِ الْمَوْصُولِ، لِأَنَّ اسْمَ اللَّهِ مِمَّا يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ فِي الدُّعَاءِ تَارَةً كَمَا تَجْرِي أَسْمَاءُ الْأَصْنَامِ، فَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمُ الْمَوْصُولِ فِي قَوْلِهِ: مَنْ تَدْعُونَ خَاصًّا بِأَصْنَامِهِمْ لِأَنَّهُمْ يَكْثُرُ دُعَاؤُهُمْ إِيَّاهَا دُونَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّجَدُّدِ فَإِذَا اشْتَدَّ بِهِمُ الضُّرُّ دَعَوُا اللَّهَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت: ٦٥] . وَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا. وَنَصْبُ الْمُسْتَثْنَى لَا يَخْتَلِفُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَرْيًا عَلَى اللُّغَةِ الْفُصْحَى. وَلَعَلَّ هَذَا الْوَجْهَ أَرْجَحُ لِأَنَّهُ أَنْسَبُ بِقَوْلِهِ:
أَعْرَضْتُمْ.
وَالْإِعْرَاضُ: التَّرْكُ، أَيْ تَرَكْتُمْ دُعَاءَ اللَّهِ، بِقَرِينَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ مُقْتَضَى الْمُضَارع من إِفَادَة التَّجَدُّدِ وَبَيْنَ مُقْتَضَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنِ انْحِصَارِ الدُّعَاءِ فِي الْكَوْنِ بِاسْمِهِ تَعَالَى.
وَقَوْلُهُ: إِلَى الْبَرِّ عُدِّيَ بِحَرْفِ (إِلَى) لِتَضْمِينِ نَجَّاكُمْ مَعْنَى أَبْلَغَكُمْ وَأَوْصَلَكُمْ.
وَجُمْلَةُ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً اعْتِرَاضٌ وَتَذْيِيلٌ لِزِيَادَةِ التَّعَجُّبِ مِنْهُمْ وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ.
وَ «الْكَفُورُ» صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ، أَيْ كَثِيرُ الْكُفْرِ. وَالْكُفْرُ ضِدُّ الشُّكْرِ.
وَالتَّعْرِيفُ فِي الْإِنْسانُ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ وَهُوَ مُفِيدٌ لِلِاسْتِغْرَاقِ. فَهَذَا الِاسْتِغْرَاقُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِغْرَاقًا عُرْفِيًّا بِحَمْلِهِ عَلَى غَالِبِ نَوْعِ الْإِنْسَانِ، وَهُمْ أَهْلُ الْإِشْرَاكِ وَهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ، فَتَكُونُ صِيغَةُ الْمُبَالَغَةِ مِنْ قَوْلِهِ: كَفُوراً رَاجِعَةً إِلَى قُوَّةِ صِفَةِ الْكُفْرَانِ أَوْ عَدَمِ الشُّكْرِ فَإِنَّ أَعْلَاهُ إِشْرَاكُ غَيْرِ الْمُنْعِمِ مَعَ الْمُنْعِمِ فِي نِعْمَةٍ لَا حَظَّ لَهُ فِيهَا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِغْرَاقُ حَقِيقِيًّا، أَيْ كَانَ نَوْعُ الْإِنْسَانِ كَفُورًا، أَيْ غَيْرَ خَالٍ مِنَ الْكُفْرَانِ، فَتَكُونُ صِيغَةُ الْمُبَالَغَةِ رَاجِعَةً إِلَى كَثْرَةِ أَحْوَالِ الْكُفْرَانِ مَعَ تَفَاوُتِهَا. وَكَثْرَةُ كُفْرَانِ الْإِنْسَانِ هِيَ تَكَرُّرُ إِعْرَاضِهِ عَنِ الشُّكْرِ فِي مَوْضِعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute