وَالظُّلْمُ: ظُلْمُهُمْ أَنْفُسَهُمْ بِالْكُفْرِ وَالْفَوَاحِشِ، وَظُلْمُهُمُ النَّاسَ بِالْغَصْبِ عَلَى الْفَوَاحِشِ وَالتَّدَرُّبِ بِهَا.
وَقَوْلُهُ إِنَّ فِيها لُوطاً خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّذْكِيرِ بِسُنَّةِ اللَّهِ مَعَ رُسُلِهِ مِنَ الْإِنْجَاءِ مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي يَحِلُّ بِأَقْوَامِهِمْ. فَهُوَ مِنَ التَّعْرِيضِ لِلْمَلَائِكَةِ بِتَخْصِيصِ لُوطٍ مِمَّنْ شَمِلَتْهُمُ الْقَرْيَةُ فِي حُكْمِ الْإِهْلَاكِ، وَلُوطٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ بِالْأَصَالَةِ إِلَّا أَنَّ كَوْنَهُ بَيْنَهُمْ يَقْتَضِي الْخَشْيَةَ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَشْمَلَهُ الْإِهْلَاكُ. وَلِهَذَا قَالَ إِنَّ فِيها لُوطاً بِحَرْفِ الظَّرْفِيَّةِ وَلَمْ يَقِلْ: إِنَّ مِنْهَا.
وَجَوَابُ الْمَلَائِكَةِ إِبْرَاهِيمَ بِأَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا يُرِيدُونَ أَنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنْهُ بِأَحْوَالِ مَنْ فِي الْقَرْيَةِ، فَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا اقْتَضَاهُ تَعْرِيضُهُ بِالتَّذْكِيرِ بِإِنْجَاءِ لُوطٍ، أَيْ نَحْنُ أَعْلَمُ مِنْكَ بِاسْتِحْقَاقِ لُوطٍ النَّجَاةَ عِنْدَ اللَّهِ، وَاسْتِحْقَاقِ غَيْرِهِ الْعَذَابَ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا يَسْبِقُونَ اللَّهَ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ وَكَانَ جَوَابُهُمْ مُطَمْئِنًا إِبْرَاهِيمَ. فَالْمُرَادُ مِنْ عِلْمِهِمْ بِمَنْ فِي الْقَرْيَةِ عِلْمُهُمْ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ أَهْلِهَا الْمُرَتَّبِ عَلَيْهَا اسْتِحْقَاقُ الْعَذَابِ، أَوِ الْكَرَامَةِ بِالنَّجَاةِ.
وَإِنَّمَا كَانَ الْمَلَائِكَةُ أَعْلَمَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ بِذَلِكَ لِأَنَّ عِلْمَهُمْ سَابِقٌ عَلَى عِلْمِهِ وَلِأَنَّهُ عِلْمُ يَقِينٍ مُلْقًى مِنْ وَحْيِ اللَّهِ فِيمَا سَخَّرَ لَهُ أُولَئِكَ الْمَلَائِكَةَ إِذْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ لَمْ يُوحِ اللَّهُ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ عِلْمٌ تَفْصِيلِيٌّ لَا إِجْمَالِيٌّ، وَعُمُومِيٌّ لَا خُصُوصِيٌّ. فَلِأَجْلِ هَذَا الْأَخِيرِ أَجَابُوا بِ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها. وَلَمْ يَقُولُوا: نَحْنُ أَعْلَمُ بِلُوطٍ، وَكَوْنُهُمْ أَعْلَمَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ
فِي هَذَا الشَّأْنِ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ فِي غَيْرِهِ فَإِنَّ لِإِبْرَاهِيمَ عِلْمَ النُّبُوءَةِ وَالشَّرِيعَةِ وَسِيَاسَةِ الْأُمَّةِ، وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ وَلَا يَشْتَغِلُونَ بِغَيْرِ ذَلِكَ إِلَّا مَتَى سَخَّرَهُمُ اللَّهُ لِعَمَلٍ. وَبِالْأَوْلَى لَا يَقْتَضِي كَوْنُهُمْ أَعْلَمُ بِهَذَا مِنْهُ أَنْ يَكُونُوا أَفْضَلَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ، فَإِنَّ قَوْلَ أَهْلِ الْحَقِّ إِنَّ الرُّسُلَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَالْمَزِيَّةُ لَا تَقْتَضِي الْأَفْضَلِيَّةَ، وَلِكُلِّ فَرِيقٍ عِلْمٌ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَخَصَّهُ بِهِ كَمَا خَصَّ الْخَضِرَ بِمَا لَمْ يَعْلَمْهُ مُوسَى، وَخَصَّ مُوسَى بِمَا لَا يَعْلَمُهُ الْخَضِرُ، وَلِذَلِكَ عَتَبَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى لَمَّا سُئِلَ: هَلْ يُوجَدُ أَعْلَمُ مِنْكَ؟
فَقَالَ: لَا، لِأَنَّهُ كَانَ حَقُّ الْجَواب أَن يفكر فِي أَنْوَاعِ الْعِلْمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute