للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَاللَّعْنَةُ وَاللَّعْنُ: الْإِبْعَادُ بِتَحْقِيرٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ [٣٥] .

وَاعْلَمْ أَنَّ الزَّوْجَ إِنْ سَمَّى رَجُلًا مُعَيَّنًا زَنَى بِامْرَأَتِهِ صَارَ قَاذِفًا لَهُ زِيَادَةً عَلَى قَذْفِهِ الْمَرْأَةَ، وَأَنَّهُ إِذَا لَاعَنَ وَأَتَمَّ اللِّعَانَ سَقَطَ عَنْهُ حَدُّ الْقَذْفِ لِلْمَرْأَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي قَذْفِهِ ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي نَسَبَ إِلَيْهِ الزِّنَى. وَقد اخْتلف الْأَئِمَّة فِي سُقُوطِ حَدِّ الْقَذْفِ لِلرَّجُلِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَسْقُطُ عَنْهُ حَدُّ الْقَذْفِ لِلرَّجُلِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ إِلَّا حَدًّا وَاحِدًا وَلِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِالسُّنَّةِ أَنَّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ حَدَّ الْفِرْيَةِ عَلَى عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيِّ وَلَا عَلَى هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ بَعْدَ اللِّعَانِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: يُسْقِطُ اللِّعَانُ حَدَّ الْمُلَاعِنِ لِقَذْفِ امْرَأَتِهِ وَلَا يُسْقِطُ حَدَّ الْقَذْفِ لِرَجُلٍ سَمَّاهُ، وَالْحُجَّةُ لَهُمَا بِأَنَّ اللَّهَ شَرَعَ حَدَّ الْقَذْفِ.

وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأَيْمَانُ مُقْتَضِيَةً صِدْقَ دَعْوَى الزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ كَانَ مِنْ أَثَرِ ذَلِكَ أَنْ تُعْتَبَرَ الْمَرْأَةُ زَانِيَةً أَوْ أَنْ يَكُونَ حَمْلُهَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ مِنْ زِنًى لِأَنَّهَا فِي عِصْمَةٍ فَكَانَ ذَلِكَ مُقْتَضِيًا أَنْ يُقَامَ عَلَيْهَا حَدُّ الزِّنَى، فَلَمْ تُهْمِلِ الشَّرِيعَةُ حَقَّ الْمَرْأَةِ وَلَمْ تَجْعَلْهَا مَأْخُوذَةً بِأَيْمَانٍ قَدْ يَكُونُ حَالِفُهَا كَاذِبًا فِيهَا لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِالْكَذِبِ لِتَبْرِئَةِ نَفْسِهِ فَجَعَلَ لِلزَّوْجَةِ مُعَارَضَةَ أَيْمَانِ زَوْجِهَا كَمَا جَعَلَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ الطَّعْنَ فِي الشَّهَادَةِ بِالتَّجْرِيحِ أَوِ الْمُعَارَضَةِ فَقَالَ تَعَالَى:

وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ الْآيَةَ. وَإِذْ قَدْ كَانَتْ أَيْمَانُ الْمَرْأَةِ لِرَدِّ أَيْمَانِ الرَّجُلِ، وَكَانَتْ أَيْمَانُ الرَّجُلِ بَدَلًا مِنَ الشَّهَادَةِ وَسُمِّيَتْ شَهَادَةً، كَانَتْ أَيْمَانُ الْمَرْأَةِ لِرَدِّهَا يُنَاسِبُ أَنْ تُسَمَّى شَهَادَةً وَلِأَنَّهَا كَالشَّهَادَةِ الْمُعَارِضَةِ، وَلِكَوْنِهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُعَارِضَةِ كَانَتْ أَيْمَانُ الْمَرْأَةِ كُلُّهَا عَلَى إِبْطَالِ دَعْوَاهُ لَا عَلَى إِثْبَاتِ بَرَاءَتِهَا أَوْ صِدْقِهَا.

وَالدَّرْءُ: الدَّفْعُ بِقُوَّةٍ، وَاسْتُعِيرَ هُنَا لِلْإِبْطَالِ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ [٢٢] .