للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِقَرِينَةِ مَقَامِ التَّوْبِيخِ فِي قَوْلِهِ: أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ [الْفرْقَان: ١٧] لِأَنَّ صِفَةَ الْإِضْلَالِ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْإِضَافَةَ لَيْسَتْ لِلتَّقْرِيبِ، وَقَوْلِهِ: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ [الْحجر: ٤٢] فَقَرِينَةُ التَّغْلِيبِ هِيَ مَنَاطُ اسْتِثْنَاءِ الْغَاوِينَ مِنْ قَوْلِهِ عِبادِي وَيُنْسَبُ إِلَى الشَّافِعِيِّ:

وَمِمَّا زَادَنِي شَرَفًا وَفَخْرًا ... وَكِدْتُ بِأَخْمُصِي أَطَأُ الثُّرَيَّا

دُخُولِي تَحْتَ قَوْلِكَ يَا عِبَادِيَ ... وَأَنْ أَرْسَلْتَ أَحْمَدَ لِي نَبِيَّا

وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا الَّذين آمنُوا بالنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُمُ الَّذِينَ يَخْطُرُونَ بِالْبَالِ عِنْدَ ذِكْرِ أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِهِ وَقَالُوا فِيهِ مَا هُوَ مِنْهُ بَرِيءٌ خُطُورَ الضِّدِّ بِذِكْرِ ضِدِّهِ.

والْمُخْلَصِينَ صِفَةُ عِبَادِ اللَّهِ وَهُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ إِذَا أُرِيدَ الَّذِينَ أَخْلَصَهُمُ اللَّهُ لِوِلَايَتِهِ، وَبِكَسْرِهَا أَيِ الَّذِينَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ. فَقَرَأَهُ نَافِعٌ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَخَلَفٌ بِفَتْحِ اللَّامِ. وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ بِكَسْرِ اللَّامِ.

وأُولئِكَ إِشَارَةٌ إِلَى عِبادَ اللَّهِ قَصَدَ مِنْهُ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا مَا بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ لِأَجْلِ مِمَّا أُثْبِتَ لَهُمْ مِنْ صِفَةِ الْإِخْلَاصِ كَمَا ذَلِكَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ تَعْرِيفِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ بِالْإِشَارَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة: ٥] بَعْدَ قَوْلِهِ: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ الْآيَةُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢، ٣] .

وَالرِّزْقُ: الطَّعَامُ قَالَ تَعَالَى: وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً [آل عمرَان: ٣٧] ، وَقَالَ: لَا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ [يُوسُف: ٣٧] . وَالْمَعْلُومُ: الَّذِي لَا يَتَخَلَّفُ عَنْ مِيعَادِهِ وَلَا يَنْتَظِرُهُ أَهْلُهُ.

وفَواكِهُ عَطْفُ بَيَانٍ مِنْ رِزْقٌ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ طَعَامَهُمْ كُلَّهُ مِنَ الْأَطْعِمَةِ الَّتِي يُتَفَكَّهُ بِهَا لَا مِمَّا يُؤْكَلُ لِأَجْلِ الشِّبَعِ. وَالْفَوَاكِهُ: الثِّمَارُ وَالْبُقُولُ اللَّذِيذَةُ.

وَهُمْ مُكْرَمُونَ عَطْفٌ عَلَى لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ، أَيْ يُعَامَلُونَ بِالْحَفَاوَةِ وَالْبَهْجَةِ

فَإِنَّهُ وَسَّطَ فِي أَثْنَاءِ وَصْفِ مَا أُعِدَّ لَهُمْ مِنَ النَّعِيمِ الْجِسْمَانِيِّ أَنَّ لَهُمْ نَعِيمَ الْكَرَامَةِ وَهُوَ أَهَمُّ لِأَنَّ بِهِ انْتِعَاشَ النَّفْسِ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ خُلُوصِ النِّعْمَةِ مِمَّنْ يُكَدِّرُهَا