وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِحْسَانَ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ مُقْتَرِنٍ بِمَدْحٍ وَتَعْظِيمٍ وَلَا بِأَذًى وَهُوَ الْغَالِبُ، وَقَدْ يَكُونُ مُقْتَرِنًا بِأَذًى وَذَلِكَ يُكَدِّرُ مِنْ صَفْوِهُ، قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى [الْبَقَرَة: ٢٦٤] فَإِذَا كَانَ الْإِحْسَانُ مَعَ عِبَارَاتِ الْكَرَامَةِ وَحُسْنِ التَّلَقِّي فَذَلِكَ الثَّوَابُ.
وسُرُرٍ: جَمْعُ سَرِيرٍ وَهُوَ كَكُرْسِيٍّ وَاسِعٍ يُمْكِنُ الِاضْطِجَاعُ عَلَيْهِ، وَكَانَ الْجُلُوسُ عَلَى السَّرِيرِ مِنْ شِعَارِ الْمُلُوكِ وَأَضْرَابِهِمْ، وَذَلِكَ جُلُوسُ أَهْلِ النَّعِيمِ لِأَنَّ الْجَالِسَ عَلَى السَّرِيرِ لَا يَجِدُ مَلَلًا لِأَنَّهُ يُغَيِّرُ جِلْسَتَهُ كَيْفَ تَتَيَسَّرُ لَهُ.
ومُتَقابِلِينَ كُلُّ وَاحِدٍ قُبَالَةَ الْآخَرِ. وَهَذَا أَتَمُّ لِلْأُنْسِ لِأَنَّ فِيهِ أُنْسَ الِاجْتِمَاعِ وَأُنْسَ نَظَرِ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ فَإِنَّ رُؤْيَةَ الْحَبِيبِ وَالصَّدِيقِ تُؤْنِسُ النَّفْسَ.
وَالظَّاهِرُ: أَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِمْ مُتَقَابِلِينَ تَقَابُلَ أَفْرَادٍ كُلُّ جَمَاعَةٍ مَعَ أَصْحَابِهِمْ، وَأَنَّهُمْ جَمَاعَاتٌ عَلَى حَسَبِ تَرَاتِيبِهِمْ فِي طَبَقَاتِ الْجَنَّةِ، وَأَنَّ أَهْلَ كُلِّ طَبَقَةٍ يُقَسَّمُونَ جَمَاعَاتٍ عَلَى حَسَبِ قَرَابَتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ [يس: ٥٦] وَكَثْرَةُ كُلِّ جَمَاعَةٍ لَا تُنَافِي تَقَابُلَهُمْ عَلَى السُّرُرِ وَالْأَرَائِكِ وتحادثهم لِأَن شؤون ذَلِكَ الْعَالَمِ غَيْرُ جَارِيَةٍ عَلَى الْمُتَعَارَفِ فِي الدُّنْيَا.
وَمَعْنَى يُطافُ يُدَارُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ. وَالْكَأْسُ (بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْكَافِ) : إِنَاءُ الْخَمْرِ، مُؤَنَّثٌ، وَهِيَ إِنَاءٌ بِلَا عُرْوَةٍ وَلَا أُنْبُوبٍ وَاسِعَةُ الْفَمِ، أَيْ مَحَلُّ الصَّبِّ مِنْهَا، تَكُونُ مِنْ فِضَّةٍ وَمِنْ ذَهَبٍ وَمِنْ خَزَفٍ وَمِنْ زُجَاجٍ، وَتُسَمَّى قَدَحًا وَهُوَ مُذَكَّرٌ. وَجَمْعُ كأس:
كاسات وكؤوس وَأَكْؤُسٌ. وَكَانَتْ خَاصَّةً بِسَقْيِ الْخَمْرِ حَتَّى كَانَتِ الْكَأْسُ مِنْ أَسْمَاءِ الْخَمْرِ تَسْمِيَةً بِاسْمِ الْمَحَلِّ، وَجَعَلُوا مِنْهُ قَوْلَ الْأَعْشَى:
وَكَأْسٍ شَرِبْتُ عَلَى لَذَّةٍ ... وَأُخْرَى تَدَاوَيْتُ مِنْهَا بِهَا
وَقَدْ قِيلَ: لَا يُسَمَّى ذَلِكَ الْإِنَاءُ كَأْسًا إِلَّا إِذَا كَانَتْ فِيهِ الْخَمْرُ وَإِلَّا فَهُوَ قَدَحٌ.
وَالْمَعْنِيُّ بِهَا فِي الْآيَةِ الْخَمْرُ لِأَنَّهُ أَفْرَدَ الْكَأْسَ مَعَ أَنَّ الْمَطُوفَ عَلَيْهِمْ كَثِيرُونَ، وَلِأَنَّهَا وُصِفَتْ بِأَنَّهَا مِنْ مَعِينٍ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرِيُّ عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ كَأْسٍ فِي الْقُرْآنِ إِنَّمَا عُنِيَ بِهَا الْخَمْرُ. وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ بِهِ الْأَخْفَشُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute