عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِ الْقُرْآنِ دَالًّا عَلَى عَجْزِ الْبَشَرِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِالْقُرْآنِ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ هُودٍ [١٣، ١٤] : أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ.
كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الْأَنْعَام: ٣٣] .
وَالْإِتْيَانُ بِالشَّيْءِ: إِحْضَارُهُ مِنْ مَكَانٍ آخَرَ. وَاخْتِيرَ هَذَا الْفِعْلُ دُونَ نَحْوِ: فَلْيَقُولُوا مِثْلَهُ وَنَحْوِهِ، لِقَصْدِ الْإِعْذَارِ لَهُمْ بِأَنْ يُقْتَنَعَ مِنْهُمْ بِجَلْبِ كَلَامٍ مِثْلِهِ وَلَوْ مِنْ أَحَدٍ غَيْرِهِمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٣] فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ، هُمَا:
فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِ الْقُرْآنِ، أَو فَأتوا بِسُورَة مِنْ مِثْلِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ مِنْ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ.
وَالْحَدِيثُ: الْإِخْبَارُ بِالْحَوَادِثِ، وَأَصْلُ الْحَوَادِثِ أَنَّهَا الْوَاقِعَاتُ الْحَدِيثَةُ، ثُمَّ تُوُسِّعَ فَأُطْلِقَتْ عَلَى الْوَاقِعَاتِ، وَلَوْ كَانَتْ قَدِيمَةً كَقَوْلِهِمْ: حَوَادِثُ سَنَةِ كَذَا، وَتَبِعَ ذَلِكَ إِطْلَاقُ الْحَدِيثِ عَلَى الْخَبَرِ مُطْلَقًا، وَتُوسِّعَ فِيهِ فَأُطْلِقَ عَلَى الْكَلَامِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِخْبَارًا، وَمِنْهُ إِطْلَاقُ الْحَدِيثِ عَلَى كَلَامِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ هُنَا قَدْ أُطْلِقَ عَلَى الْكَلَامِ مَجَازًا بِعَلَاقَةِ الْإِطْلَاقِ، أَيْ فَلْيَأْتُوا بِكَلَامٍ مِثْلِهِ، أَيْ فِي غَرَضٍ مِنَ الْأَغْرَاضِ الَّتِي يَشْتَمِلُ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ لَا خُصُوصَ الْأَخْبَارِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ هُنَا أُطْلِقَ عَلَى الْأَخْبَارِ، أَيْ فَلْيَأْتُوا بِأَخْبَارٍ مِثْلِ قَصَصِ الْقُرْآنِ فَيَكُونَ اسْتِنْزَالًا لَهُمْ فَإِنَّ التَّكَلُّمَ بِالْأَخْبَارِ أَسْهَلُ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ مِنِ ابْتِكَارِ الْأَغْرَاضِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ فِيهَا، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّ الْقُرْآنَ «أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ» ، أَيْ أَخْبَارٌ عَنِ الْأُمَمِ الْمَاضِينَ فَقِيلَ لَهُمْ: فَلْيَأْتُوا بِأَخْبَارٍ مِثْلِ أَخْبَارِهِ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِمِثْلِ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْمَعَارِفِ وَالشَّرَائِعِ وَالدَّلَائِلِ لَا قِبَلَ لِعُقُولِهِمْ بِهِ، وَقُصَارَاهُمْ أَنْ يَفْهَمُوا ذَلِكَ إِذَا سَمِعُوهُ.
وَمَعْنَى الْمِثْلِيَّةِ فِي قَوْلِهِ: مِثْلِهِ الْمِثْلِيَّةُ فِي فَصَاحَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ، وَهِيَ خُصُوصِيَّاتٌ
يُدْرِكُونَهَا إِذَا سَمِعُوهَا وَلَا تُحِيطُ قَرَائِحُهُمْ بِإِيدَاعِهَا فِي كَلَامِهِمْ. وَقَدْ بَيَّنَا أُصُولَ الْإِعْجَازِ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْعَاشِرَةِ مِنْ مُقَدِّمَاتِ هَذَا التَّفْسِيرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute