للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النَّجْوَى، وَهَذَا مِمَّا أَنْشَأَ مُنَاسَبَةَ الِانْتِقَالِ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى النَّجْوَى إِلَى ذِكْرِ التَّفَسُّحِ فِي الْمَجْلِسِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ.

رُوِيَ عَنْ مُقَاتِلٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصُّفَّةِ، وَكَانَ فِي الْمَكَانِ ضِيقٌ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَجَاءَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ فِيهِمْ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ قَدْ سَبَقُوا فِي الْمَجْلِسِ فَقَامُوا عَلَى أَرْجُلِهِمْ يَنْتَظِرُونَ أَنْ يُفْسَحَ لَهُمْ وَكَانَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْرِمُ أَهْلَ بَدْرٍ فَقَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ: قُمْ يَا فُلَانُ بِعَدَدِ الْوَاقِفِينَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الَّذِينَ أُقِيمُوا، وَغَمَزَ الْمُنَافِقُونَ وَقَالُوا: مَا أُنْصِفَ هَؤُلَاءِ، وَقَدْ أَحَبُّوا الْقُرْبَ مِنْ نَبِيئِهِمْ فَسَبَقُوا إِلَى مَجْلِسِهِ فَأَنْزَلَ

اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ

تَطْيِيبًا لِخَاطِرِ الَّذِينَ أُقِيمُوا، وَتَعْلِيمًا لِلْأُمَّةِ بِوَاجِبِ رَعْيِ فَضِيلَةِ أَصْحَابِ الْفَضِيلَةِ مِنْهَا، وَوَاجِبِ الِاعْتِرَافِ بِمَزِيَّةِ أَهْلِ الْمَزَايَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ [النِّسَاء: ٣٢] ، وَقَالَ: لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى [الْحَدِيد:

١٠] .

وَالْخِطَابُ بِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ يَعُمُّ مَنْ حَضَرُوا الْمَجْلِسَ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ حَادِثَةُ سَبَبِ النُّزُولِ وَغَيْرَهُمْ مِمَّنْ عَسَى أَنْ يَحْضُرَ مجْلِس الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَابْتُدِئَتِ الْآيَةُ بِالْأَمْرِ بِالتَّفَسُّحِ لِأَنَّ إِقَامَةَ الَّذِينَ أُقِيمُوا إِنَّمَا كَانَتْ لِطَلَبِ التَّفَسِيحِ فَإِنَاطَةُ الْحُكْمِ إِيمَاءٌ إِلَى عِلَّةِ الْحُكْمِ.

وَالتَّفَسُّحُ: التَّوَسُّعُ وَهُوَ تَفْعُّلٌ مِنْ فَسَحَ لَهُ بِفَتْحِ السِّينِ مُخَفَّفَةً إِذَا أَوْجَدَ لَهُ فُسْحَةً فِي مَكَانٍ، وَفَسُحَ الْمَكَانُ مِنْ بَابِ كَرُمَ إِذَا صَارَ فَسِيحًا. وَمَادَّةُ التَّفَعُّلِ هُنَا لِلتَّكَلُّفِ، أَيْ يُكَلَّفُ أَنْ يَجْعَلَ فُسْحَةً فِي الْمَكَانِ وَذَلِكَ بِمُضَايَقَةٍ مَعَ الجلّاس.

وتعريف الْمَجالِسِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَعْرِيفَ الْعَهْدِ، وَهُوَ مجْلِس النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ إِذَا قَالَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكُمْ ذَلِكَ لِأَنَّ أَمْرَهُ لَا يَكُونُ إِلَّا لِمُرَاعَاةِ حق رَاجِح على غَيْرِهِ وَالْمَجْلِسُ مَكَانُ الْجُلُوسِ. وَكَانَ مجْلِس النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَسْجِدِهِ وَالْأَكْثَرُ أَنْ يَكُونَ جُلُوسُهُ الْمَكَانَ الْمُسَمَّى بِالرَّوْضَةِ وَهُوَ مَا بَيْنَ مِنْبَر النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْتِهِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يكون تَعْرِيف الْمَجالِسِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ. وَقَوْلُهُ: يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ