وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَحَفْصٌ، وَأَبُو جَعْفَرٍ يُقَاتَلُونَ- بِفَتْحِ التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ- مَبْنِيًّا إِلَى الْمَجْهُولِ. وَقَرَأَهُ الْبَقِيَّةُ- بِكَسْرِ التَّاءِ- مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ.
وَالَّذِينَ يُقَاتَلُونَ مُرَادٌ بِهِمُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى كِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ لِأَنَّهُمْ إِذَا قُوتِلُوا فَقَدْ قَاتَلُوا.
وَالْقِتَالُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ إِمَّا بِمَادَّتِهِ، وَإِمَّا بِصِيغَةِ الْمُضِيِّ.
فَعَلَى قِرَاءَةِ- فَتْحِ التَّاءِ- فَالْمُرَادُ بِالْقِتَالِ فِيهِ الْقَتْلُ الْمُجَازِيُّ، وَهُوَ الْأَذَى. وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ يُقَاتِلُونَ- بِكَسْرِ التَّاءِ- فَصِيغَةُ الْمُضِيِّ مُسْتَعْمَلَةٌ مَجَازًا فِي التَّهَيُّؤِ وَالِاسْتِعْدَادِ، أَيْ أُذِنَ لِلَّذِينَ تَهَيَّئُوا لِلْقِتَالِ وَانْتَظَرُوا إِذْنَ اللَّهِ.
وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَكَّةَ أَذًى شَدِيدًا فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَأْتُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ مَضْرُوبٍ وَمَشْجُوجٍ يَتَظَلَّمُونَ إِلَيْهِ، فَيَقُولُ لَهُمُ: اصْبِرُوا فَإِنِّي لم أومر
بِالْقِتَالِ، فَلَمَّا هَاجَرَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بَعْدَ بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ إِذْنًا لَهُمْ بِالتَّهَيُّؤِ لِلدِّفَاعِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ قِتَالٌ قَبْلَ ذَلِكَ كَمَا يُؤْذِنُ بِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى عَقِبَ هَذَا: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ [الْحَج: ٤٠] .
وَالْبَاءُ فِي بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا أَرَاهَا مُتَعَلِّقَةً بِ أُذِنَ لِتَضْمِينِهِ مَعْنَى الْإِخْبَارِ، أَيْ أَخْبَرْنَاهُمْ بِأَنَّهُمْ مَظْلُومُونَ. وَهَذَا الْإِخْبَارُ كِنَايَةٌ عَنِ الْإِذْنِ لِلدِّفَاعِ لِأَنَّكَ إِذَا قُلْتَ لِأَحَدٍ: إِنَّكَ مَظْلُومٌ، فَكَأَنَّكَ اسْتَعْدَيْتَهُ عَلَى ظَالِمِهِ، وَذَكَّرْتَهُ بِوُجُوبِ الدِّفَاعِ، وَقَرِينَةُ ذَلِكَ تَعْقِيبُهُ بِقَوْلِهِ:
وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا نَائِبَ فَاعِلِ أُذِنَ عَلَى قِرَاءَةِ ضَمِّ الْهَمْزَةِ أَوْ مَفْعُولًا عَلَى قِرَاءَةِ- فَتْحِ الْهَمْزَةِ-. وَذَهَبَ الْمُفَسِّرُونَ إِلَى أَنَّ الْبَاءَ سَبَبِيَّةٌ وَأَنَّ الْمَأْذُونَ بِهِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ يُقاتَلُونَ، أَيْ أُذِنَ لَهُمْ فِي الْقِتَالِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute