للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمُرَادِ عَنْ

بَقِيَّةِ الْأَيَّامِ بِأَنَّهُ الَّذِي تَأْتِي فِيهِ السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ فَنُصِبَ يَوْمَ نَصْبَ إِعْرَابٍ وَلَمْ يُنَوَّنْ لِأَجْلِ الْإِضَافَةِ.

وَالْجُمْلَةُ الَّتِي يُضَافُ إِلَيْهَا اسْمُ الزَّمَانِ تَسْتَغْنِي عَنِ الرَّابِطِ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ مُغْنِيَةٌ عَنْهُ.

وَلِأَنَّ الْجُمْلَةَ فِي قُوَّةِ الْمَصْدَرِ. وَالتَّقْدِيرُ: فَارْتَقِبْ يَوْمَ إِتْيَانِ السَّمَاءِ بِدُخَانٍ. وَأَطْلَقَ الْيَوْمَ عَلَى الزَّمَانِ فَإِنَّ ظُهُورَ الدُّخَانِ كَانَ فِي أَيَّامٍ وَشُهُورٍ كَثِيرَةٍ.

وَالدُّخَانُ: مَا يَتَصَاعَدُ عِنْدَ إِيقَادِ الْحَطَبِ، وَهُوَ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ، أَيْ بِمِثْلِ دُخَانٍ.

وَالْمُبِينُ: الْبَيِّنُ الظَّاهِرُ، وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَبَانَ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى بَانَ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ ظَاهِرٌ لِكُلِّ أَحَدٍ لَا يُشَكُّ فِي رُؤْيَتِهِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَابْنُ قُتَيْبَةَ: الدُّخَانُ فِي الْآيَةِ هُوَ:

الْغُبَارُ الَّذِي يَتَصَاعَدُ مِنَ الْأَرْضِ مِنْ جَرَّاءِ الْجَفَافِ وَأَنَّ الْغُبَارَ يُسَمِّيهِ الْعَرَبُ دُخَانًا وَهُوَ الْغُبَارُ الَّذِي تُثِيرُهُ الرِّيَاحُ مِنَ الْأَرْضِ الشَّدِيدَةِ الْجَفَافِ. وَعَنِ الْأَعْرَجِ: أَنَّهُ الْغُبَارُ الَّذِي أَثَارَتْهُ سَنَابِكُ الْخَيْلِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَدْ حَجَبَتِ الْغَبَرَةُ السَّمَاءَ، وَإِسْنَادُ الْإِتْيَانِ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ لِأَنَّ السَّمَاءَ مَكَانُهُ حِينَ يَتَصَاعَدُ فِي جَوِّ السَّمَاءِ أَوْ حِينَ يَلُوحُ لِلْأَنْظَارِ مِنْهَا.

وَالْكَلَامُ يُؤْذِنُ بِأَنَّ هَذَا الدُّخَانَ الْمُرْتَقَبَ حَادِثٌ قَرِيبٌ الْحُصُولِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَدَثٌ يَكُونُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَأَنَّهُ عِقَابٌ لِلْمُشْرِكِينَ.

فَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ مِنْ قَوْلِهِ: يَغْشَى النَّاسَ هُمُ الْمُشْرِكُونَ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي إِطْلَاقِ لَفْظِ النَّاسِ فِي الْقُرْآنِ، وَأَنَّهُ يَكْشِفُ زَمَنًا قَلِيلًا عَنْهُمْ إِعْذَارًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يُؤْمِنُونَ، وَأَنَّهُمْ يَعُودُونَ بَعْدَ كَشْفِهِ إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَأَنَّ اللَّهَ يُعِيدُهُ عَلَيْهِمْ كَمَا يُؤْذِنُ بِذَلِكَ قَوْلُهُ: إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا [الدُّخان: ١٥] . وَأَمَّا قَوْلُهُ: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ [الدُّخان: ١٦] فَهُوَ عَذَابٌ آخَرُ. وَكُلُّ ذَلِكَ يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْعَذَابَ بِالدُّخَانِ يَقَعُ فِي الدُّنْيَا وَأَنَّهُ مُسْتَقْبَلٌ قَرِيبٌ، وَإِذْ قَدْ كَانَتِ الْآيَةُ مَكِّيَّةً تَعَيَّنَ أَنَّ هَذَا الدُّخَانَ الَّذِي هُوَ عَذَابٌ لِلْمُشْرِكِينَ لَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الْأَنْفَال: ٣٣] فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ هَذَا الدُّخَانِ غَيْرُ قَاطِنِينَ بِدَارِ