إِلَى الْحِكَايَةِ عَنْ حَالِ أُمَمِهِمْ فِي حَيَاتِهِمْ أَوِ الَّذِينَ جَاءُوا بَعْدَهُمْ مِثْلَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى إِذْ نَقَضُوا وَصَايَا أَنْبِيَائِهِمْ. وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي تَكُونُ ضَمَائِرُ الْغَيْبَةِ الْتِفَاتًا.
ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ عَاطِفَةً قِصَّةً عَلَى قِصَّةٍ لِمُنَاسَبَةٍ وَاضِحَةٍ كَمَا عُطِفَ نَظِيرُهَا بِالْفَاءِ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ. وَيَجُوزُ كَوْنُهَا لِلْحَالِ، أَيْ أَمَرْنَا الرُّسُلَ بِمِلَّةِ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ الْمِلَّةُ الْوَاحِدَةُ، فَكَانَ مِنْ ضَلَالِ الْمُشْرِكِينَ أَنْ تَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ وَخَالَفُوا الرُّسُلَ وَعَدَلُوا عَنْ دِينِ
التَّوْحِيدِ وَهُوَ شَرِيعَةُ إِبْرَاهِيمَ أَصْلِهِمْ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْوَجْهَ أَنَّ نَظِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ جَاءَ فِيهِ الْعَطْفُ بِفَاءِ التَّفْرِيعِ.
وَالتَّقَطُّعُ: مُطَاوِعُ قَطَعَ، أَيْ تَفَرَّقُوا. وَأَسْنَدَ التَّقَطُّعَ إِلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا أَنْفُسَهُمْ فِرَقًا فَعَبَدُوا آلِهَةً مُتَعَدِّدَةً وَاتَّخَذَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ لِنَفْسِهَا إِلَهًا مِنَ الْأَصْنَامِ مَعَ اللَّهِ، فَشَبَّهَ فِعْلَهُمْ ذَلِكَ بِالتَّقَطُّعِ.
وَفِي «جَمْهَرَةِ الْأَنْسَابِ» لِابْنِ حَزْمٍ: «كَانَ الْحُصَيْنُ بْنُ عُبَيْدٍ الْخُزَاعِيُّ، وَهُوَ وَالِدُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: يَا حُصَيْنُ مَا تَعْبُدُ؟ قَالَ: عَشَرَةَ آلِهَةٍ، قَالَ: مَا هُمْ وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: تِسْعَةٌ فِي الْأَرْضِ وَوَاحِدٌ فِي السَّمَاءِ. قَالَ: فَمَنْ لِحَاجَتِكَ؟ قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ، قَالَ: فَمَنْ لِطِلْبَتِكَ؟ قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ، قَالَ: فَمَنْ لِكَذَا؟ فَمَنْ لِكَذَا؟ كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: فَأَلْغِ التِّسْعَةَ» . وَفِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ: مِنْ «سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ» : «أَنَّهُ قَالَ: سَبْعَةً سِتَّةٌ فِي الْأَرْضِ وَوَاحِدٌ فِي السَّمَاءِ»
. وَالْأَمْرُ: الْحَالُ. وَالْمُرَادُ بِهِ الدِّينُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ فِي [سُورَةِ الْأَنْعَامِ: ١٥٩] .
وَلَمَّا ضَمِنَ تَقَطَّعُوا مَعْنَى تَوَزَّعُوا عُدِّيَ إِلَى «دِينِهِمْ» فَنَصَبَهُ، وَالْأَصْلُ: تَقَطَّعُوا فِي دِينِهِمْ وَتَوَزَّعُوهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute