للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَعَاصِمٌ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَحَمْزَةُ إِنِّي بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى أَنَّهُ مَحْكِيٌّ بِفِعْلِ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ فِي مَحَلِّ حَالٍ، أَيْ قَائِلًا.

وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَالْكِسَائِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَيَعْقُوبُ، وَخَلَفُ- بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ- عَلَى تَقْدِيرِ حَرْفِ جَرٍّ وَهُوَ الْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ، أَيْ أَرْسَلْنَاهُ مُتَلَبِّسًا بِذَلِكَ، أَيْ بِمَعْنَى

الْمَصْدَرِ الْمُنْسَبِكِ مِنْ (أَنِّي نَذِيرٌ) ، أَيْ مُتَلَبِّسًا بِالنِّذَارَةِ الْبَيِّنَةِ.

وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى نُوحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَقَوْمِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً فِي آلِ عِمْرَانَ [٣٣] . وَعِنْدَ قَوْلِهِ: لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَاف [٥٩] .

وَجُمْلَة أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ مُفَسِّرَةٌ لِجُمْلَةِ أَرْسَلْنا لِأَنَّ الْإِرْسَالَ فِيهِ مَعْنَى الْقَوْلِ دُونَ حُرُوفِهِ، وَيَجُوزُ كَوْنُهَا تَفْسِيرًا لِ نَذِيرٌ لِمَا فِي نَذِيرٌ مِنْ مَعْنَى الْقَوْلِ، كَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ نُوحٍ [٢، ٣] قالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ. وَهَذَا الْوَجْهُ مُتَعَيِّنٌ عَلَى قِرَاءَةِ فَتْحِ هَمْزَةِ (أَنِّي) إِذَا اعْتُبِرَتْ (أَنْ) تَفْسِيرِيَّةً. وَيَجُوزُ جَعْلُ (أَنْ) مُخَفَّفَةً مِنَ الثَّقِيلَةِ فَيَكُونُ بَدَلًا مِنْ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ عَلَى قِرَاءَةِ- فَتْحِ الْهَمْزَةِ- وَاسْمُهَا ضمير شَأْن محذوفا، أَيْ أَنَّهُ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ.

وَجُمْلَةُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ تَعْلِيلٌ لِ نَذِيرٌ لِأَنَّ شَأْنَ النِّذَارَةِ أَنْ تَثْقُلَ عَلَى النُّفُوسِ وَتُخْزِهِمْ فَكَانَتْ جَدِيرَةً بِالتَّعْلِيلِ لِدَفْعِ حَرَجِ مَا يُلَاقُونَهُ.

وَوَصْفُ الْيَوْمِ بِالْأَلِيمِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ أَنْ يُوصَفَ الْعَذَابُ بِالْأَلِيمِ، لِأَنَّ شِدَّةَ الْعَذَابِ لَمَّا بَلَغَتِ الْغَايَةَ جُعِلَ زَمَانُهُ أَلِيمًا، أَيْ مُؤْلِمًا.

وَجُمْلَةُ أَخافُ عَلَيْكُمْ وَنَحْوُهَا مِثْلُ أَخْشَى عَلَيْكَ، تُسْتَعْمَلُ لِلتَّوَقُّعِ فِي الْأَمْرِ الْمَظْنُونِ أَوِ الْمَقْطُوعِ بِهِ بِاعْتِبَارِ إِمْكَانِ الِانْفِلَاتِ مِنَ الْمَقْطُوعِ بِهِ، كَقَوْلِ لَبِيَدٍ:

أَخْشَى عَلَى أَرْبَدَ الْحُتُوفَ وَلَا ... أَخْشَى عَلَيْهِ الرِّيَاحَ وَالْمَطَرَا

فَيَتَعَدَّى الْفِعْلُ بِنَفْسِهِ إِلَى الْخَوْفِ مِنْهُ وَيَتَعَدَّى إِلَى الْمَخُوفِ عَلَيْهِ بِحَرْفِ (عَلَى) كَمَا فِي الْآيَةِ وَبَيت لبيد.

و