للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْأَرْضِ وَيَسْبَحُ فِي الْمِيَاهِ، وَيَكُونُ فِي الْغُدْرَانِ وَمَنَاقِعِ الْمِيَاهِ، صَوْتُهُ مِثْلُ الْقُرَاقِرِ يُسَمَّى نَقِيقًا، أَصَابَهُمْ جُنْدٌ كَثِيرٌ مِنْهُ يَقَعُ فِي طَعَامِهِمْ يَرْتَمِي إِلَى الْقُدُورِ، وَيَقَعُ فِي الْعُيُونِ وَالْأَسْقِيَةِ وَفِي الْبُيُوتِ فَيُفْسِدُ مَا يَقَعُ فِيهِ وَتَطَؤُهُ أَرْجُلُ النَّاسِ فَتَتَقَذَّرُ بِهِ الْبُيُوتُ، وَقَدْ سَلِمَتْ مِنْهُ بِلَادُ (جَاسَانَ) مَنْزِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.

وَالدَّمُ مَعْرُوفٌ، قِيلَ: أَصَابَهُمْ رُعَافٌ مُتَفَشٍّ فِيهِمْ، وَقِيلَ: صَارَتْ مِيَاهُ الْقِبْطِ كَالدَّمِ فِي اللَّوْنِ، كَمَا فِي التَّوْرَاةِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ مِنْ حُدُوثِ دُودٍ أَحْمَرَ فِي الْمَاءِ فَشُبِّهَ الْمَاءُ بِالدَّمِ، وَسَلِمَتْ مِيَاهُ (جَاسَانَ) قَرْيَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.

وَسَمَّى اللَّهُ هَاتِهِ آياتٍ لِأَنَّهَا دَلَائِلُ عَلَى صِدْقِ مُوسَى لِاقْتِرَانِهَا بِالتَّحَدِّي، وَلِأَنَّهَا

دَلَائِلُ عَلَى غَضَبِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لِتَظَافُرِهَا عَلَيْهِمْ حِينَ صَمَّمُوا الْكُفْرَ وَالْعِنَادَ.

وَانْتَصَبَ آياتٍ عَلَى الْحَالِ مِنَ الطُّوفَانِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، ومُفَصَّلاتٍ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ فَصَّلَ الْمُضَاعَفِ الدَّالِّ عَلَى قُوَّةِ الْفَصْلِ. وَالْفَصْلُ حَقِيقَتُهُ التَّفْرِقَة بَين الشَّيْئَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَخْتَلِطُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، وَيُسْتَعَارُ الْفَصْلُ لِإِزَالَةِ اللَّبْسِ وَالِاخْتِلَاطِ فِي الْمَعَانِي فِ مُفَصَّلاتٍ وَصْفٌ لِ آياتٍ، فَيَكُونُ مُرَادًا مِنْهُ مَعْنَى الْفَصْلِ الْمَجَازِيِّ وَهُوَ إِزَالَةُ اللَّبْسِ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَنْسَبُ بِالْآيَاتِ وَالدَّلَائِلِ، أَيْ: هِيَ آيَاتٌ لَا شُبْهَةَ فِي كَوْنِهَا كَذَلِكَ لِمَنْ نَظَرَ نَظَرَ اعْتِبَارٍ.

وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَنَّهَا مَفْصُولٌ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ فِي الزَّمَانِ، أَيْ لَمْ تَحْدُثْ كُلُّهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، بَلْ حَدَثَ بَعْضُهَا بَعْدَ بَعْضٍ، وَعَلَى هَذَا فَصِيغَةُ التَّفْعِيلِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَرَاخِي الْمُدَّةِ بَيْنَ الْوَاحِدَةِ وَالْأُخْرَى، وَيَجِيءُ عَلَى هَذَا أَنَّ الْعَذَابَ كَانَ أَشَدَّ وَأَطْوَلَ زَمَنًا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها [الزخرف: ٤٨] ، قِيلَ: كَانَ بَيْنَ الْآيَةِ مِنْهَا وَالْأُخْرَى مُدَّةُ شَهْرٍ أَوْ مُدَّةُ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ، وَكَانَتْ تَدُومُ الْوَاحِدَةُ مِنْهَا مُدَّةَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ وَأَكْثَرَ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَالْأَنْسَبُ أَنْ يُجْعَلَ مُفَصَّلاتٍ حَالًا ثَانِيَةً مِنَ الطُّوفَانِ وَالْجَرَادِ، وَأَنْ لَا يُجْعَلَ صِفَةَ آياتٍ.

وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَاسْتَكْبَرُوا لِلتَّفْرِيعِ وَالتَّرَتُّبِ، أَيْ: فَتَفَرَّعَ عَلَى إِرْسَالِ الطُّوفَانِ وَمَا بَعْدَهُ اسْتِكْبَارُهُمْ، كَمَا تَفَرَّعَ عَلَى أَخْذِهِمْ بِالسِّنِينَ غُرُورُهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ شُؤْمِ مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ، فَعُلِمَ أَنَّ مِنْ طَبْعِ تَفْكِيرِهِمْ فَسَادَ الْوَضْعِ، وَهُوَ انْتِزَاعُ الْمَدْلُولَاتِ