وَالْإِتْيَانُ بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ الْمُفِيدِ لِلتَّجَدُّدِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ فِي الدَّلَائِلِ الَّتِي تَحُفُّ بِهِمْ وَالَّتِي ذُكِّرُوا بِبَعْضِهَا فِي الْآيَاتِ الْمَاضِيَةِ مَا هُوَ كَافٍ لِإِقْلَاعِهِمْ عَنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ لَوْ كَانُوا يُرِيدُونَ الْحَقَّ.
ومِنْ دُونِ يُفِيدُ أَنَّهُمْ يُعْرِضُونَ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ، لِأَنَّ كَلِمَةَ دُونِ وَإِنْ كَانَتِ اسْمًا لِلْمُبَاعَدَةِ قَدْ يَصْدُقُ بِالْمُشَارَكَةِ بَيْنَ مَا تُضَافُ إِلَيْهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ. فَكَلِمَةُ (دُونِ) إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهَا (مِنْ) صَارَتْ تُفِيدُ مَعْنَى ابْتِدَاءِ الْفِعْلِ مِنْ جَانِبٍ مُبَاعِدٍ لِمَا أُضِيفَ إِلَيْهِ (دُونِ) . فَاقْتَضَى أَنَّ الْمُضَافَ إِلَيْهِ غَيْرُ مُشَارِكٍ فِي الْفِعْلِ. فَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا أُشْرِبَتْ قُلُوبُهُمُ الْإِقْبَالَ عَلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وإدخالها فِي شؤون قُرُبَاتِهِمْ حَتَّى الْحَجِّ إِذْ قَدْ وَضَعُوا فِي شَعَائِرِهِ أَصْنَامًا بَعْضُهَا وَضَعُوهَا فِي الْكَعْبَةِ وَبَعْضُهَا فَوْقَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ جُعِلُوا كَالْمُعَطِّلِينَ لِعِبَادَةِ اللَّهِ أَصْلًا.
وَالسُّلْطَانُ: الْحُجَّةُ. وَالْحُجَّةُ الْمُنَزَّلَةُ: هِيَ الْأَمْرُ الْإِلَهِيُّ الْوَارِدُ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ وَفِي شَرَائِعِهِ، أَيْ يَعْبُدُونَ مَا لَا يَجِدُونَ عُذْرًا لِعِبَادَتِهِ مِنَ الشَّرَائِعِ السَّالِفَةِ: وَقُصَارَى أَمْرِهِمْ أَنَّهُمُ اعْتَذَرُوا بِتَقَدُّمِ آبَائِهِمْ بِعِبَادَةِ أَصْنَامِهِمْ، وَلَمْ يَدَّعُوا أَنَّ نَبِيئًا أَمَرَ قَوْمَهُ بِعِبَادَةِ صَنَمٍ وَلَا أَنَّ دِينًا إِلَهِيًّا رَخَّصَ فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ.
وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ، أَيْ لَيْسَ لَهُمْ بِهِ اعْتِقَادٌ جَازِمٌ لِأَنَّ الِاعْتِقَادَ الْجَازِمَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ دَلِيلٍ، وَالْبَاطِلُ لَا يُمْكِنُ حُصُولُ دَلِيلٍ عَلَيْهِ. وَتَقْدِيمُ انْتِفَاءِ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ عَلَى انْتِفَاءِ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ لِأَنَّ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ أَهَمُّ.
وَمَا الَّتِي فِي قَوْلِهِ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ نَافِيَةٌ. وَالْجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَيْ يَعْبُدُونَ مَا ذُكِرَ وَمَا لَهُمْ نَصِيرٌ فَلَا تَنْفَعُهُمْ عِبَادَةُ الْأَصْنَامِ.
فَالْمُرَادُ بِالظَّالِمِينَ الْمُشْرِكُونَ الْمُتَحَدَّثُ عَنْهُمْ، فَهُوَ مِنَ الْإِظْهَارِ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِلْإِيمَاءِ إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute