بَدْرًا فَإِذَا صَارَ بَدْرًا صَارَ تُلُوُّهُ الشَّمْسَ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ يظْهر عِنْد مَا تَغْرُبُ الشَّمْسُ، وَقَرِيبًا مِنْ غُرُوبِهَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، وَهُوَ أَيْضًا يُضِيءُ فِي أَكْثَرِ لَيَالِي الشَّهْرِ جَعَلَهُ اللَّهُ عِوَضًا عَنِ الشَّمْسِ فِي عِدَّةِ لَيَالٍ فِي الْإِنَارَةِ، وَلِذَلِكَ قُيِّدَ الْقَسَمُ بِحِينِ تُلُوِّهِ لِأَنَّ تُلُوَّهُ لِلشَّمْسِ حِينَئِذٍ تَظْهَرُ مِنْهُ مَظَاهِرُ التُّلُوِّ لِلنَّاظِرِينَ، فَهَذَا الزَّمَانُ مِثْلُ زَمَانِ الضُّحَى فِي الْقَسَمِ بِهِ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ قَسَمٍ بِوَقْتِ تُلُوِّهِ الشَّمْسَ، فَحَصَلَ الْقَسَمُ بِذَاتِ الْقَمَرِ وَبِتُلُوِّهِ الشَّمْسَ.
وَفِي الْآيَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ نُورَ الْقَمَرِ مُسْتَفَادٌ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ، أَيْ مِنْ تَوَجُّهِ أَشِعَّةِ
الشَّمْسِ إِلَى مَا يُقَابِلُ الْأَرْضَ مِنَ الْقَمَرِ، وَلَيْسَ نَيِّرًا بِذَاتِهِ، وَهَذَا إِعْجَازٌ عِلْمِيٌّ مِنْ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ وَهُوَ مِمَّا أَشَرْتُ إِلَيْهِ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْعَاشِرَةِ.
وَابْتُدِئَ بِالشَّمْسِ لِمُنَاسَبَةِ الْمَقَامِ إِيمَاءً لِلتَّنْوِيهِ بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّ هَدْيَهُ كَنُورِ الشَّمْسِ لَا يَتْرُكُ لِلضَّلَالِ مَسْلَكًا، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْوَعْدِ بِانْتِشَارِهِ فِي الْعَالَمِ كَانْتِشَارِ نُورِ الشَّمْسِ فِي الْأُفُقِ، وَأُتْبِعَ بِالْقَمَرِ لِأَنَّهُ يُنِيرُ فِي الظَّلَامِ كَمَا أَنَارَ الْإِسْلَامُ فِي ابْتِدَاءِ ظُهُورِهِ فِي ظُلْمَةِ الشِّرْكِ، ثُمَّ ذُكِرَ النَّهَارُ وَاللَّيْلُ مَعَهُ لِأَنَّهُمَا مَثَلٌ لِوُضُوحِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ ضَلَالَةِ الشِّرْكِ وَذَلِكَ عَكْسُ مَا فِي سُورَةِ اللَّيْلِ لِمَا يَأْتِي.
وَمُنَاسَبَةُ اسْتِحْضَارِ السَّمَاءِ عَقِبَ ذِكْرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَاسْتِحْضَارِ الْأَرْضِ عَقِبَ ذِكْرِ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ، وَاضِحَةٌ، ثُمَّ ذُكِرَتِ النَّفْسُ الْإِنْسَانِيَّةُ لِأَنَّهَا مَظْهَرُ الْهُدَى وَالضَّلَالِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ.
وَالضَّمِيرُ الْمُؤَنَّثُ فِي قَوْلِهِ: جَلَّاها ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى الشَّمْسِ فَمَعْنَى تجلية النَّهَار بالشمس وَقْتُ ظُهُورِ الشَّمْسِ.
فَإِسْنَادُ التَّجْلِيَةِ إِلَى النَّهَارِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ وَالْقَسَمُ إِنَّمَا هُوَ بِالنَّهَارِ لِأَنَّهُ حَالَةٌ دَالَّةٌ عَلَى دَقِيقِ نِظَامِ الْعَالَمِ الْأَرْضِيِّ. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الْأَرْضِ، أَيْ أَضَاءَ الْأَرْضَ فَتَجَلَّتْ لِلنَّاظِرِينَ لِظُهُورِ الْمَقْصُودِ كَمَا يُقَالُ عِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ «أَرْسَلَتْ» يَعْنُونَ أَرْسَلَتِ السَّمَاءُ مَاءَهَا.
وَقُيِّدَ الْقَسَمُ بِالنَّهَارِ بِقَيْدِ وَقْتِ التَّجْلِيَةِ إِدْمَاجًا لِلْمِنَّةِ فِي الْقَسَمِ.
وَابْتُدِئَ الْقَسَمُ بِالشَّمْسِ وَأَضْوَائِهَا الثَّلَاثَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْمُنْعَكِسَةِ لِأَنَّ الشَّمْسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute