بَعْدَ ذَلِكَ صَيْدًا فِي الْجِهَةِ الَّتِي كَانَ يَجُوسُهَا الْجَارِحُ أَوْ عَرَفَ أَثَرَ كَلْبِهِ فِيهِ فَعَنْ مَالِكٍ: لَا يُؤْكَلُ، وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ:
يُؤْكَلُ. وَأَمَّا إِذَا وَجَدَ الصَّائِدُ سَهْمَهُ فِي مَقَاتِلِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ لَا مَحَالَةَ.
وَأَحْسَبُ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ احْتِرَازٌ عَنْ أَنْ يَجِدَ أَحَدٌ صَيْدًا لَمْ يَصِدْهُ هُوَ، وَلَا رَأَى الْجَارِحَ حِينَ أَمْسَكَهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مَوْتُهُ عَلَى غَيْرِ الْمُعْتَادِ فَلَا يَكُونُ ذَكَاةً، وَأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَصَدَّ لِلصَّيْدِ أَنْ يَأْكُلَ صَيْدًا رَأَى كَلْبَ غَيْرِهِ حِينَ صَادَهُ إِذَا لَمْ يَجِدِ الصَّائِدَ قَرِيبًا، أَوِ ابْتَاعَهُ مِنْ صَائِدِهِ، أَوِ اسْتَعْطَاهُ إِيَّاهُ.
وَقَوْلُهُ: وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْرٌ بِذِكْرِ الله على تَعَالَى الصَّيْدِ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَذْكُرَهُ عِنْدَ الْإِرْسَالِ لِأَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ بِجُرْحِ الْجَارِحِ، وَأَمَّا إِذَا أَمْسَكَهُ حَيًّا فَقَدْ تَعَيَّنَ ذَبْحُهُ فَيَذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ. وَلَقَدْ أَبْدَعَ إِيجَازُ كَلِمَةِ «عَلَيْهِ» لِيَشْمَلَ الْحَالَتَيْنِ. وَحُكْمُ نِسْيَانِ التَّسْمِيَةِ وَتَعَمُّدِ تَرْكِهَا مَعْلُومٌ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ وَالْخِلَافِ، وَالدِّينُ يُسْرٌ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ: فِي أَنَّ الصَّيْدَ رُخْصَةٌ، أَوْ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ الذَّكَاةِ. فَالْجُمْهُورُ أَلْحَقُوهُ بِالذَّكَاةِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَلِذَلِكَ أَجَازُوا أَكْلَ صَيْدِ الْكِتَابِيِّ دُونَ الْمَجُوسِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ رُخْصَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا يُؤْكَلُ صَيْدُ الْكِتَابِيِّ وَلَا الْمَجُوسِيّ وَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ
[الْمَائِدَة: ٩٤] . وَهُوَ دَلِيل ضَعِيف: لِأَنَّهُ وَارِدٌ فِي غَيْرِ بَيَانِ الصَّيْدِ، وَلَكِنْ فِي حُرْمَةِ الْحَرَمِ. وَخَالَفَهُ أَشْهَبُ، وَابْنُ وَهْبٍ، مِنْ أَصْحَابِهِ. وَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ أَكْلِ صَيْدِ الْمَجُوسِيِّ إِلَّا رِوَايَةً عَنْ أَبِي ثَوْرٍ إِذْ أَلْحَقَهُمْ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فَهُوَ اخْتِلَافٌ فِي الْأَصْلِ لَا فِي الْفَرْعِ.
وَقَوْلُهُ: وَاتَّقُوا اللَّهَ الْآيَةَ تَذْيِيلٌ عَامٌّ خُتِمَتْ بِهِ آيَةُ الصَّيْدِ، وَهُوَ عَامُّ الْمُنَاسَبَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute