الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ نَعْتٌ لِاسْمِ الْجَلَالَةِ، دَالٌّ عَلَى الثَّنَاءِ.
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ لِلْقَصْرِ، أَيْ: لَا لِغَيْرِهِ مِمَّا يَعْبُدُهُ الْمُشْرِكُونَ، فَهُوَ قَصْرٌ إِضَافِيٌّ لِلرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ.
وَجُمْلَةُ: لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ حَالٌ مِنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي قُوَّةِ مُتَفَرِّدًا بِالْإِلَهِيَّةِ، وَهَذَا قَصْرٌ حَقِيقِيٌّ لِتَحْقِيقِ صِفَةِ الْوَحْدَانِيَّةِ، لَا لِقَصْدِ الرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ.
وَجُمْلَةُ: يُحيِي وَيُمِيتُ حَالٌ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ: تَذْكِيرُ الْيَهُودِ، وَوَعْظُهُمْ، حَيْثُ جَحَدُوا نبوءة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ لَا رَسُولَ بَعْدَ مُوسَى، وَاسْتَعْظَمُوا دَعْوَةَ مُحَمَّدٍ، فَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ مُوسَى لَا يُشْبِهُهُ رَسُولٌ، فَذُكِّرُوا بِأَنَّ اللَّهَ مَالِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَهُوَ وَاهِبُ الْفَضَائِلِ، فَلَا يُسْتَعْظَمُ أَنْ يُرْسِلَ رَسُولًا ثُمَّ يُرْسِلَ رَسُولًا آخَرَ، لِأَنَّ الْمُلْكَ بِيَدِهِ، وَبِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي لَا يُشَابِهُهُ أَحَدٌ فِي إِلُوهِيَّتِهِ، فَلَا يَكُونُ إِلَهَانِ لِلْخَلْقِ، وَأَمَّا مَرْتَبَةُ الرِّسَالَةِ فَهِيَ قَابِلَةٌ لِلتَّعَدُّدِ، وَبِأَنَّ اللَّهَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَكَذَلِكَ هُوَ يُمِيتُ شَرِيعَةً وَيُحْيِي شَرِيعَةً أُخْرَى، وَإِحْيَاءُ الشَّرِيعَةِ إِيجَادُهَا بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ: لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ حَقِيقَتُهُ إِيجَادُ الْحَيَاةِ فِي الْمَوْجُودِ، ثُمَّ يُحَصَّلُ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ إِبْطَالُ عَقِيدَةِ الْمُشْرِكِينَ بِتَعَدُّدِ الْآلِهَةِ وَبِإِنْكَارِ الْحَشْرِ.
وَقَدِ انْتَظَمَ أَنْ يُفَرَّعَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَاتِ الثَّلَاثِ الطَّلَبُ الْجَازِمُ بِالْإِيمَانِ بِهَذَا الرَّسُولِ فِي قَوْلِهِ: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيءِ الْأُمِّيِّ وَالْمَقْصُودُ طَلَبُ الْإِيمَانِ بِالنَّبِيءِ الْأُمِّيِّ لِأَنَّهُ
الَّذِي سِيقَ الْكَلَامُ لِأَجْلِهِ، وَلَكِنْ لَمَّا صَدَرَ الْأَمْرُ بِخِطَابِ جَمِيعِ الْبَشَرِ وَكَانَ فِيهِمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ، وَفِيهِمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَلَا يُؤْمِنُ بِالنَّبِيءِ الْأُمِّيِّ، جُمِعَ بَيْنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْإِيمَانِ بِالنَّبِيءِ الْأُمِّيِّ فِي طَلَبٍ وَاحِدٍ، لِيَكُونَ هَذَا الطَّلَبُ مُتَوَجِّهًا لِلْفِرَقِ كُلِّهِمْ، لِيَجْمَعُوا فِي إِيمَانِهِمْ بَيْنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالنَّبِيءِ الْأُمِّيِّ، مَعَ قَضَاءِ حَقِّ التَّأَدُّبِ مَعَ اللَّهِ بِجَعْلِ الْإِيمَانِ بِهِ مُقَدَّمًا عَلَى طَلَبِ الْإِيمَان بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الْإِيمَانَ بِالرَّسُولِ إِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، عَلَى نَحْوِ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ [النِّسَاء: ١٥٠] ، وَهَذَا الْأُسْلُوبُ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ [النِّسَاء: ١٧١]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute