للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمَعْنَى لَمْ يَتَسَنَّهْ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَأَصْلُهُ مُشْتَقٌّ مِنَ السَّنَةِ لِأَنَّ مَرَّ السِّنِينَ يُوجِبُ التَّغَيُّرَ

وَهُوَ مِثْلُ تَحَجُّرِ الطِّينِ، وَالْهَاءُ أَصْلِيَّةٌ لَا هَاءُ سَكْتٍ، وَرُبَّمَا عَامَلُوا هَاءَ سَنَةٍ مُعَامَلَةَ التَّاءِ فِي الِاشْتِقَاقِ فَقَالُوا أَسْنَتَ فُلَانٌ إِذَا أَصَابَتْهُ سَنَةٌ أَيْ مَجَاعَةٌ، قَالَ مَطْرُودٌ الْخُزَاعِيُّ، أَوِ ابْنُ الزِّبَعْرَى:

عَمْرُو الَّذِي هَشَمَ الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ ... قَوْمٍ بِمَكَّةَ مُسْنِتِينِ عِجَافِ

وَقَوْلُهُ: وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ قيل: كَانَ حِمَارُهُ قَدْ بَلِيَ فَلَمْ تَبْقَ إِلَّا عِظَامُهُ فَأَحْيَاهُ اللَّهُ أَمَامَهُ. وَلَمْ يُؤْتِ مَعَ قَوْلِهِ: وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ بِذِكْرِ الْحَالَةِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الِاعْتِبَارِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ النَّظَرِ إِلَيْهِ كَافٍ، فَإِنَّهُ رَآهُ عِظَامًا ثُمَّ رَآهُ حَيًّا، وَلَعَلَّهُ هَلَكَ فَبَقِيَ بِتِلْكَ السَّاحَةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا حِزْقِيَالُ بَعِيدًا عَنِ الْعُمْرَانِ، وَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَنْوَاعَ الْإِحْيَاء إِذْ أحيى جَسَدَهُ بِنَفْخِ الرُّوحِ- عَنْ غير إِعَادَة- وأحيى طَعَامَهُ بِحِفْظِهِ من التغيّر وأحيى حِمَارَهُ بِالْإِعَادَةِ فَكَانَ آيَةً عَظِيمَةً لِلنَّاسِ الْمُوقِنِينَ بِذَلِكَ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَطْلَعَ عَلَى ذَلِكَ الْأَحْيَاءَ بَعْضَ الْأَحْيَاءِ مِنْ أَصْفِيَائِهِ.

فَقَوْلُهُ: وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِيهِ لِلِاعْتِبَارِ لِأَنَّهُ نَاظِرٌ إِلَى ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، وَالْمَقْصُودُ اعْتِبَارُهُ فِي اسْتِبْعَادِهِ أَنْ يُحْيِيَ اللَّهُ الْقَرْيَةَ بَعْدَ مَوْتِهَا، فَكَانَ مِنْ قُوَّةِ الْكَلَامِ انْظُرْ إِلَى مَا ذُكِرَ جَعَلْنَاهُ آيَةً لَكَ عَلَى الْبَعْثِ وَجَعَلْنَاكَ آيَةً لِلنَّاسِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَحِمَارَهُ، وَلَكِنْ رَأَوْا ذَاتَهُ وَتَحَقَّقُوهُ بِصِفَاتِهِ. ثُمَّ قَالَ لَهُ: وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِرُهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ عِظَامُ بَعْضِ الْآدَمِيِّينَ الَّذِينَ هَلَكُوا، أَوْ أَرَادَ عِظَامَ الْحِمَارِ فَتَكُونَ (الْ) عِوَضًا عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ إِلَى الْعِظَامِ فِي قُوَّةِ الْبَدَلِ مِنْ حِمَارِكَ إِلَّا أَنَّهُ بَرَزَ فِيهِ الْعَامِلُ الْمَنَوِيُّ تَكْرِيرُهُ.

وَقَرَأَ جُمْهُورُ الْعَشَرَةِ نُنْشِرُهَا بِالرَّاءِ مُضَارِعُ أَنْشَرَ الرُّبَاعِيِّ بِمَعْنَى الْإِحْيَاءِ. وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَعَاصِمٌ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ: نُنْشِزُها- بالزاي- مضارع أنشزه إِذَا رَفَعَهُ، وَالنَّشْزُ الِارْتِفَاعُ، وَالْمُرَادُ ارْتِفَاعُهَا حِينَ تَغْلُظُ بِإِحَاطَةِ الْعَصَبِ وَاللَّحْمِ وَالدَّمِ بِهَا فَحَصَلَ مِنَ الْقِرَاءَتَيْن مَعْنيانِ لكملة وَاحِدَةٍ، وَفِي كِتَابِ (حِزْقِيَالَ) «فَتَقَارَبَتِ الْعِظَامُ كُلُّ عَظْمٍ إِلَى عَظْمِهِ، وَنَظَرْتُ وَإِذَا بِالْعَصَبِ وَاللَّحْمِ كَسَاهَا وَبُسِطَ الْجِلْدُ عَلَيْهَا» .