للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنَ الْآيَاتِ لِأَنَّهَا مُلَازِمَةٌ لَهَا بِأَدْنَى نَظَرٍ وَجُعِلَتِ الْآيَاتُ لِلْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ انْتَفَعُوا بِدِلَالَتِهَا وَعَلِمُوا مِنْهَا أَنَّ مُوجِدَهَا وَمُقَدِّرَ نِظَامِهَا وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ.

وَعَطْفُ جُمْلَةِ وَفِي خَلْقِكُمْ إِلَخْ عَلَى جُمْلَةِ إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ لِمَا فِي هَذَا الْخَاصِّ مِنَ التَّذْكِيرِ بِنِعْمَةِ إِيجَادِ النَّوْعِ اسْتِدْعَاءً لِلشُّكْرِ عَلَيْهِ.

وَالْبَثُّ: التَّوْزِيعُ وَالْإِكْثَارُ وَهُوَ يَقْتَضِي الْخَلْقَ وَالْإِيجَادَ فَكَأَنَّهُ قِيلَ وَفِي خَلْقِ اللَّهِ مَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ. وَتَقَدَّمَ الْبَثُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٦٤] .

وَعَبَّرَ بِالْمُضَارِعِ فِي يَبُثُّ لِيُفِيدَ تَجَدُّدَ الْبَثِّ وَتَكَرُّرَهُ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ أَجْنَاسِ الدَّوَابِّ وَأَنْوَاعِهَا وَأَصْنَافِهَا. وَالدَّابَّةُ تُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ غَيْرَ الْإِنْسَانِ وَهَذَا أَصْلُ إِطْلَاقِهَا وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى مَا يَدِبُّ بِالْأَرْجُلِ دُونَ الطَّائِرِ كَقَوْلِهِ: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ [الْأَنْعَام: ٣٨] .

وَالرِّزْقُ أُطْلِقَ هُنَا عَلَى الْمَطَرِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ لِأَنَّ الْمَطَرَ سَبَبُ وُجُودِ الْأَقْوَاتِ. وَالرِّزْقُ: الْقُوتُ. وَقَدْ ذُكِرَ فِي آيَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٦٤] وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ

. وَتَقَدَّمَتْ نَظَائِرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي أَوَاسِطِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَفِي مَوَاضِعَ عِدَّةٍ.

وَالْمُرَادُ بِ (الْمُؤْمِنِينَ) ، وَبِ (قوم يوقنون) ، وب (قَوْمٍ يَعْقِلُونَ) وَاحِدٌ، وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ فَحَصَلَ لَهُمُ الْيَقِينُ وَكَانُوا يَعْقِلُونَ، أَيْ يَعْلَمُونَ دَلَالَةَ الْآيَاتِ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ وَالَّذِينَ يُوقِنُونَ، أَيْ يَعْلَمُونَ وَلَا يُكَابِرُونَ، وَالَّذِينَ يَعْقِلُونَ دَلَالَةَ الْآثَارِ عَلَى الْمُؤَثِّرِ وَنَظَرُوا النَّظَرَ الصَّحِيحَ فِي شَوَاهِدِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَعَلمُوا أَن لَا بُد لَهَا مِنْ صَانِعٍ وَأَنَّهُ وَاحِدٌ فَأَيْقَنَ بِذَلِكَ الْعَاقِلُ مِنْهُمُ الَّذِي كَانَ مُتَرَدِّدًا، وَازْدَادَ إِيمَانًا مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا فَصَارَ مُوقِنًا. فَالْمَعْنَى: أَنَّ الَّذِينَ انْتَفَعُوا بِالْآيَاتِ هُمُ