قَالَ تَعَالَى:
وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [الْأَعْرَاف: ١٣٠] وَقَالَ:
فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ [الْأَعْرَاف: ١٣٣] .
وَفَرَّعَ عَلَى إِجَابَةِ دَعْوَتِهِمَا أَمَرَهُمَا بِالِاسْتِقَامَةِ، فَعُلِمَ أَنَّ الِاسْتِقَامَةَ شُكْرٌ عَلَى الْكَرَامَةِ فَإِنَّ إِجَابَةَ اللَّهِ دَعْوَةَ عَبْدِهِ إِحْسَانٌ لِلْعَبْدِ وَإِكْرَامٌ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ تَسْتَحِقُّ الشُّكْرَ عَلَيْهَا وَأَعْظَمُ الشُّكْرِ طَاعَةُ الْمُنَعِّمِ.
وَإِذْ قَدْ كَانَ مُوسَى وَهَارُونُ مُسْتَقِيمِينِ، وناهيك باستقامة النبوءة كَانَ أَمْرُهُمَا بِالِاسْتِقَامَةِ مُسْتَعْمَلًا فِي الْأَمْرِ بِالدَّوَامِ عَلَيْهَا. وَأَعْقَبَ حَثَّهُمَا عَلَى الِاسْتِقَامَةِ بِالنَّهْيِ عَنِ اتِّبَاعِ طَرِيقِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَشْمُولًا لِلِاسْتِقَامَةِ تَنْبِيهًا عَلَى تَوَخِّي السَّلَامَةِ مِنَ الْعُدُولِ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ اهْتِمَامًا بِالتَّحْذِيرِ مِنَ الْفَسَادِ.
وَالِاسْتِقَامَةُ: حَقِيقَتُهَا الِاعْتِدَالُ، وَهِيَ ضِدُّ الِاعْوِجَاجِ، وَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ كَثِيرًا فِي مَعْنَى مُلَازِمَةِ الْحَقِّ وَالرُّشْدِ، لِأَنَّهُ شَاعَ تَشْبِيهُ الضَّلَالِ وَالْفَسَادِ بِالِاعْوِجَاجِ وَالِالْتِوَاءِ. وَقِيلَ لِلْحَقِّ:
طَرِيقٌ مُسْتَقِيمٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [الْفَاتِحَة: ٦] ، فَكَانَ أَمْرُهُمَا بِالِاسْتِقَامَةِ جَامِعًا لِجَمِيعِ خِصَالِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي عَمْرَةَ الثَّقَفِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا غَيْرَكَ. قَالَ: قُلْ: آمَنَتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ
. وَمِنَ الِاسْتِقَامَةِ أَنْ يَسْتَمِرَّا عَلَى الدَّعْوَةِ إِلَى الدِّينِ وَلَا يَضْجَرَا.
وَالسَّبِيلُ: الطَّرِيقُ، وَهُوَ هُنَا مُسْتَعْمِلٌ لِلسِّيرَةِ وَالْعَمَلِ الْغَالِبِ.
وَقَوْلُهُ: وَلا تَتَّبِعانِّ قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِتَشْدِيدِ النُّونِ مَكْسُورَةً. وَهُمَا نُونَانِ: إِحْدَاهُمَا نُونُ الْمُثَنَّى وَالْأُخْرَى نُونُ التَّوْكِيدِ. وَقَرَأَ ابْنُ ذَكْوَانَ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ وَلا تَتَّبِعانِّ بِنُونٍ خَفِيفَةٍ مَكْسُورَةٍ. وَهِيَ نُونُ رَفْعِ الْمُثَنَّى لَا نُونُ التَّوْكِيدِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ (لَا) عَلَى هَاتِهِ الْقِرَاءَةِ نَافِيَةً غَيْرَ نَاهِيَةٍ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ وَالْوَاوُ وَاوُ الْحَالِ، لِأَنَّ جُمْلَةَ الْحَالِ الْمُضَارِعَةِ الْمُفْتَتَحَةِ بِحَرْفِ نَفْيٍ يَجُوزُ اقْتِرَانُهَا بِالْوَاو وَعَدَمه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute