للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نَاشِئٌ عَنْ كُفْرٍ، وَالْمَأْمُونُ مِنْهُ هُوَ وَعِيدُ الرُّسُلِ إِيَّاهُمْ وَمَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَكْرُ اللَّهِ.

وَمِنَ الْأَمْنِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَصْنَافٌ أُخْرَى تُغَايِرُ هَذَا الْأَمْنَ، وَتَتَقَارَبُ مِنْهُ، وَتَتَبَاعَدُ،

بِحَسَبِ اخْتِلَافِ ضَمَائِرِ النَّاسِ وَمَبَالِغِ نِيَّاتِهِمْ، فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْهَا مُسْتَنِدًا لِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فَلَا تَبِعَةَ عَلَى صَاحِبِهِ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَمْنِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْثَالِ عَذَابِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ الْمُسْتَنِدِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الْأَنْفَال: ٣٣] ، وَإِلَى قَول النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ-

فَقَالَ النَّبِيءُ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: أَعُوذُ بِسُبُحَاتِ وَجْهِكِ الْكَرِيمِ- أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ- فَقَالَ:

أَعُوذُ بِسُبُحَاتِ وَجْهِكِ الْكَرِيمِ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً [الْأَنْعَام: ٦٥] الْآيَةَ- فَقَالَ: هَذِهِ أَهْوَنُ»

كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِهَا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَمِثْلُ، أَمْنِ أَهْلِ بَدْرٍ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ

لقَوْل النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: «اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»

فِي قِصَّةِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ.

وَمِثْلُ إِخْبَار النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ أَنَّهُ لَا يَزَالُ آخِذًا بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَمِثْلُ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّهُمْ آمِنُونَ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ بِإِخْبَارِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِذَلِكَ، وَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ كَذَلِكَ، قَالَ تَعَالَى:

أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ [يُونُس: ٦٢، ٦٣] فَمِنَ الْعَجِيبِ مَا ذَكَرَهُ الْخَفَاجِيُّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَالُوا: الْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ كُفْرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:

فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ.

وَالْأَمْنُ مُجْمَلٌ وَمَكْرُ اللَّهِ تَمْثِيلٌ وَالْخُسْرَانُ مُشَكَّكُ الْحَقِيقَةِ. وَقَالَ الْخَفَاجِيُّ: الْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ كَبِيرَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الِاسْتِرْسَالُ عَلَى الْمَعَاصِي اتِّكَالًا عَلَى عَفْوِ اللَّهِ وَذَلِكَ مِمَّا نَسَبَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي «شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ» إِلَى وَلِيِّ الدِّينِ،

وَرَوَى الْبَزَّارُ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: مَا الْكَبَائِرُ فَقَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ»

، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَبْلَغِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الصِّحَّةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ مَا يَأْتِي فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْوَعِيدِ لِأَهْلِ الْكُفْرِ عَلَى أَعْمَالٍ لَهُمْ مُرَادٌ مِنْهُ أَيْضًا تَحْذِيرُ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا يُشْبِهُ تِلْكَ الْأَعْمَالَ بِقَدْرِ اقتراب شبهه.