وَاللَّامُ فِي لَئِنْ أَشْرَكْتَ مُوطِّئَةٌ لِلْقَسَمِ الْمَحْذُوفِ دَالَّةٌ عَلَيْهِ، وَاللَّامُ فِي لَيَحْبَطَنَّ لَامُ جَوَابِ الْقَسَمِ.
وَالْحَبْطُ: الْبُطْلَانُ وَالدَّحْضُ، حَبِطَ عَمَلُهُ: ذَهَبَ بَاطِلًا. وَالْمُرَادُ بِالْعَمَلِ هُنَا: الْعَمَلُ الصَّالِحُ الَّذِي يُرْجَى مِنْهُ الْجَزَاءُ الْحَسَنُ الْأَبَدِيُّ.
وَمَعْنَى حَبْطِهِ: أَنْ يَكُونَ لَغْوًا غَيْرَ مَجَازِيٍّ عَلَيْهِ. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْإِشْرَاكِ بَعْدَ الْإِيمَانِ، وَحُكْمُ رُجُوعِ ثَوَابِ الْعَمَلِ لِصَاحِبِهِ إِنْ عَادَ إِلَى الْإِيمَانِ بَعْدَ أَنْ أَبْطَلَ إِيمَانَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢١٧] .
ثُمَّ عُطِفَ عَلَيْهِ أَنَّ صَاحِبَ الْإِشْرَاكِ مِنَ الْخَاسِرِينَ، شَبَّهَ حَالَهُ حِينَئِذٍ بِحَالِ التَّاجِرِ الَّذِي أَخْرَجَ مَالًا لِيَرْبَحَ فِيهِ زِيَادَةَ مَالٍ فَعَادَ وَقَدْ ذَهَبَ مَالُهُ الَّذِي كَانَ بِيَدِهِ أَوْ أَكْثَرُهُ، فَالْكَلَامُ تَمْثِيلٌ لِحَالِ مَنْ أَشْرَكَ بَعْدَ التَّوْحِيدِ فَإِنَّ الْإِشْرَاكَ قَدْ طَلَبَ بِهِ مُبْتَكِرُوهُ زِيَادَةَ الْقُرْبِ مِنَ اللَّهِ إِذْ قَالُوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى [الزمر: ٣] وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ [يُونُس: ١٨] فَكَانَ حَالُهُمْ كَحَالِ التَّاجِرِ الَّذِي طَلَبَ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا عِنْدَهُ مِنَ الْمَالِ وَلَكِنَّهُ طَلَبَ الرِّبْحَ مِنْ غَيْرِ بَابِهِ، فَبَاءَ بِخُسْرَانِهِ وَتَبَابِهِ. وَفِي تَقْدِيرِ فَرْضِ وُقُوعِ الْإِشْرَاكِ مِنَ الرَّسُولِ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِ مَعَ تَحَقُّقِ عِصْمَتِهِمْ التَّنْبِيهُ عَلَى عِظَمِ أَمْرِ التَّوْحِيدِ وَخَطَرِ الْإِشْرَاكِ لِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ فِي الْفَضْلِ لَوْ فُرِضَ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهَا الْإِشْرَاكُ لَمَا أَبْقَى مِنْهَا أَثَرًا وَلَدَحَضَهَا دَحْضًا.
وبَلِ لِإِبْطَالِ مَضْمُونِ جُمْلَةِ لَئِنْ أَشْرَكْتَ أَيْ بَلْ لَا تُشْرِكُ، أَوْ لِإِبْطَالِ مَضْمُونِ جُمْلَةِ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ.
وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَاعْبُدْ يَظْهَرُ أَنَّهَا تَفْرِيعٌ عَلَى التَّحْذِيرِ مِنْ حَبْطِ الْعَمَلِ وَمِنَ الْخُسْرَانِ فَحَصَلَ بِاجْتِمَاعِ بَلِ وَالْفَاءِ، فِي صَدْرِ الْجُمْلَةِ، أَنْ جَمَعَتْ غَرَضَيْنِ: غَرَضَ
إِبْطَالِ كَلَامِهِمْ، وَغَرَضَ التَّحْذِيرِ مِنْ أَحْوَالِهِمْ، وَهَذَا وَجْهٌ رَشِيقٌ.
وَمُقْتَضَى كَلَامِ سِيبَوَيْهِ: أَنَّ الْفَاءَ مُفَرَّعَةٌ عَلَى فِعْلِ أَمْرٍ مَحْذُوفٍ يُقَدَّرُ بِحَسَبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute