للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنَ الْحَقِّ بَيَانِيَّةٌ. أَيْ مِمَّا عَرَفُوا، وَهُوَ الْحَقُّ الْخَاصُّ. أَوْ تَبْعِيضِيَّةٌ، أَيْ مِمَّا عَرَفُوهُ وَهُوَ النَّبِيءُ الْمَوْعُودُ بِهِ الَّذِي خَبَرُهُ مِنْ جُمْلَةِ الْحَقِّ الَّذِي جَاءَ بِهِ عِيسَى وَالنَّبِيئُونَ مِنْ قَبْلِهِ.

وَجُمْلَةُ يَقُولُونَ حَالٌ، أَيْ تَفِيضُ أَعْيُنُهُمْ فِي حَالِ قَوْلِهِمْ هَذَا. وَهَذَا الْقَوْلُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَنًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي خويّصتهم.

وَالْمرَاد بالشاهدين الَّذِينَ شَهِدُوا بَعْثَةَ الرُّسُلِ وَصَدَّقُوهُمْ. وَهَذِهِ فَضِيلَةٌ عَظِيمَةٌ لَمْ تَحْصُلْ إِلَّا فِي أَزْمَانِ ابْتِدَاءِ دَعْوَةِ الرُّسُلِ وَلَا تَحْصُلُ بَعْدَ هَذِهِ الْمَرَّةِ. وَتِلْكَ الْفَضِيلَةُ أَنَّهَا الْمُبَادَرَةُ بِتَصْدِيقِ الرُّسُلِ عِنْدَ بَعْثَتِهِمْ حِينَ يكذبهم النَّاس بادىء الْأَمْرِ. كَمَا قَالَ وَرَقَةُ: يَا لَيْتَنِي أَكُونُ جَذَعًا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. أَيْ تَكْذِيبًا مِنْهُمْ. أَوْ أَرَادُوا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ الَّذِينَ أَنْبَأَهُمْ عِيسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِبَعْثَةِ الرَّسُولِ الَّذِي يَجِيءُ بَعْدَهُ، فَيَكُونُوا شَهَادَةً عَلَى مَجِيئِهِ وَشَهَادَةً بِصِدْقِ عِيسَى. فَفِي إِنْجِيلِ مَتَّى عَدَدِ ٢٤ مِنْ قَوْلِ عِيسَى «وَيَقُومُ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ كَثِيرُونَ وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ وَلَكِنَّ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهَذَا يَخْلُصُ وَيَفُوزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ هَذِهِ شَهَادَةٌ لِجَمِيعِ الْأُمَمِ» . وَفِي إِنْجِيلِ يُوحَنَّا عَدَدِ ١٥ مِنْ قَوْلِ عِيسَى «وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزَّى رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي مِنْ عِنْدِ الْأَبِ يَنْبَثِقُ فَهُوَ يَشْهَدُ لِي وَتَشْهَدُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا لِأَنَّكُمْ مَعِي مِنَ الِابْتِدَاءِ» . وَإِنَّ لِكَلِمَةِ الْحَقِّ وَكَلِمَةِ الشَّاهِدِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَوْقِعًا لَا تُغْنِي فِيهِ غَيْرُهُمَا لِأَنَّهُمَا تُشِيرَانِ إِلَى مَا فِي بِشَارَةِ عِيسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ-.

وَقَوْلُهُ: وَما لَنا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ، هُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَهُ فِي أنفسهم عِنْد مَا يُخَامِرُهُمُ التَّرَدُّدُ فِي أَمْرِ النُّزُوعِ عَنْ دِينِهِمُ الْقَدِيمِ إِلَى الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ. وَذَلِكَ التَّرَدُّدُ يَعْرِضُ لِلْمُعْتَقِدِ عِنْدَ الهمّ بِالرُّجُوعِ فِي اعْتِقَادِهِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالنَّظَرِ

وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَهُ لِمَنْ يُعَارِضُهُمْ مَنْ أَهْلِ مِلَّتِهِمْ أَوْ مِنْ إِخْوَانِهِمْ وَيُشَكِّكُهُمْ فِيمَا عَزَمُوا عَلَيْهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَهُ لِمَنْ يُعَيِّرُهُمْ مِنَ الْيَهُودِ