فَلِلتَّوْكِيدِ بِحَرْفِ التَّحْقِيقِ مَوْقِعٌ. وَدُخُولُ قَدْ عَلَّى الْمُضَارِعِ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ مَعْنَى التَّحْقِيقِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَأَنَّ مَا تَوَهَّمُوهُ مِنَ التَّقْلِيلِ إِنَّمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَقَامُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَا مِنْ دَلَالَةِ قَدْ، وَمِثْلُهُ إِفَادَةُ التَّكْثِيرِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٤٤] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ فِي آخِرِ سُورَةِ النُّورِ [٦٤] .
وَالْمُعَوِّقُ: اسْمُ فَاعِلٍ مَنْ عَوَّقَ الدَّالِّ عَلَى شِدَّةِ حُصُولِ الْعَوْقِ. يُقَالُ: عَاقَهُ عَنْ كَذَا، إِذَا مَنَعَهُ وَثَبَّطَهُ عَنْ شَيْءٍ، فَالتَّضْعِيفُ فِيهِ لِلشِّدَّةِ وَالتَّكْثِيرِ مِثْلَ: قَطَّعَ الْحَبْلَ، إِذَا قَطَعَهُ قِطَعًا كَبِيرَةً، وغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ [يُوسُف: ٢٣] ، أَيْ: أَحْكَمَتْ غَلْقَهَا. وَيَكُونُ لِلتَّكْثِيرِ فِي الْفِعْلِ الْقَاصِرِ مِثْلَ: موّت المَال، إِذْ كَثُرَ الْمَوْتُ فِي الْإِبِلِ، وَطَوَّفَ فُلَانٌ، إِذَا أَكْثَرَ الطَّوَافَ، وَالْمَعْنَى: يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَحْرِصُونَ عَلَى تَثْبِيطِ النَّاسِ عَنِ الْقِتَالِ. وَالْخِطَابُ بِقَوْلِهِ مِنْكُمْ لِلْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِقَوْلِهِ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ [الْأَحْزَاب: ١٦] .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُونَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا هُمُ الْمُعَوِّقِينَ أَنْفُسُهُمْ فَيَكُونَ مِنْ عَطْفِ صِفَاتِ الْمَوْصُوفِ الْوَاحِدِ، كَقَوْلِهِ:
إِلَى الْمَلِكِ الْقَرِمِ وَابْنِ الْهُمَامِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا طَائِفَةً أُخْرَى وَإِخْوَانُهُمْ هُمُ الْمُوَافِقُونَ لَهُمْ فِي النِّفَاقِ، فَالْمُرَادُ:
الْأُخُوَّةُ فِي الرَّأْيِ وَالدِّينِ. وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ، وَمُعَتِّبَ بْنَ قُشَيْرٍ، وَمَنْ مَعَهُمَا من الَّذين انخذلوا عَنْ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ فَرَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَةِ كَانُوا يُرْسِلُونَ إِلَى مَنْ بَقِيَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فِي جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ لَهُمْ هَلُمَّ إِلَيْنا أَيِ: ارْجِعُوا إِلَيْنَا. قَالَ قَتَادَةُ:
هَؤُلَاءِ نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَقُولُونَ لَهُمْ: مَا مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ إِلَّا أَكَلَةُ رَأْسٍ- أَيْ نَفَرٌ قَلِيلٌ يَأْكُلُونَ رَأْسَ بَعِيرٍ- وَلَوْ كَانُوا لَحْمًا لَالْتَهَمَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ وَمِنْ مَعَهُ- تَمْثِيلًا بِأَنَّهُمْ سَهْلٌ تَغَلُّبُ أَبِي سُفْيَانَ عَلَيْهِمْ-.
وهَلُمَّ اسْمُ فِعْلِ أَمْرٍ بِمَعْنَى أَقْبِلْ فِي لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَهِيَ الْفُصْحَى، فَلِذَلِكَ تَلْزَمُ هَذِهِ الْكَلِمَةُ حَالَةً وَاحِدَةً عِنْدَهُمْ لَا تَتَغَيَّرُ عَنْهَا، يَقُولُونَ: هَلُمَّ، لِلْوَاحِدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute