أَنْ تَكُونَ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا يُخَمَّسُ وَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ أَنَّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمَّسَهَا بَلْ ثَبَتَ ضِدُّهُ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ حُكْمُ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ حُكْمًا خَاصًّا، أَوْ تَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ نَاسِخَةً لِلْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا إِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ بَعْدَهَا بِمُدَّةٍ.
قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ: آيَةُ مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى. وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنَ الْمُشْكِلَاتِ إِذَا نُظِرَتْ مَعَ الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَمَعَ آيَةِ الْغَنِيمَةِ مِنْ سُورَةِ الْأَنْفَالِ. وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ الْآيَة [الْحَشْر: ٦] إِنَّمَا نَزَلَتْ فِيمَا صَارَ لرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إِيجَافٍ، وَبِذَلِكَ فَسَّرَهَا عُمَرُ وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ.
وَأَمَّا آيَةُ الْأَنْفَالِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيمَا صَارَ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ بِإِيجَافٍ، وَأَمَّا الْآيَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ الْحَشْرِ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهَا فَمِنْهُمْ مَنْ أَضَافَهَا إِلَى الَّتِي قَبْلَهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَضَافَهَا إِلَى آيَةِ الْأَنْفَالِ وَأَنَّهُمَا نَزَلَتَا بِحُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي الْغَنِيمَةِ الْمُوجَفِ عَلَيْهَا، وَأَنَّ آيَةَ الْأَنْفَالِ نَسَخَتْ آيَةَ الْحَشْرِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي مَعْنًى ثَالِثٍ غَيْرِ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَتَيْنِ:
وَاخْتَلَفَ الذَّاهِبُونَ إِلَى هَذَا: فَقِيلَ نَزَلَتْ فِي خَرَاجِ الْأَرْضِ وَالْجِزْيَةِ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَمْوَالِ، وَقِيلَ نَزَلَتْ فِي حُكْمِ الْأَرْضِ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ (فَتَكُونُ تَخْصِيصًا لِآيَةِ الْأَنْفَالِ) وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ. وَالْآيَةُ عِنْدَ أَهْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى تَخْيِيرِ الْإِمَامِ اه.
وَالتَّعْرِيفُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مِنْ أَهْلِ الْقُرى تَعْرِيفُ الْعَهْدِ وَهِيَ قُرًى مَعْرُوفَةٌ عُدَّتْ مِنْهَا: قُرَيْظَةُ، وَفَدَكُ، وَقُرَى عُرَيْنَةَ، وَالْيَنْبُعُ، وَوَادِي الْقُرَى، وَالصَّفْرَاءُ، فُتِحَتْ فِي عهد النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي فَتْحِهَا أَكَانَ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا أَوْ فَيْئًا. وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ فَدَكَ كَانَتْ مَثَلَ النَّضِيرِ.
وَلَا يَخْتَصُّ جَعْلُهُ لِلرَّسُولِ بِخُصُوصِ ذَات الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ مِثْلُهُ فِيهِ أَيِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ.
وَتَقْيِيدُ الْفَيْءِ بِفَيْءِ الْقُرَى جَرَى عَلَى الْغَالِبِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنْ لَا تُفْتَحَ إِلَّا الْقُرَى لِأَنَّ أَهْلَهَا يُحَاصَرُونَ فَيَسْتَسْلِمُونَ وَيُعْطُونَ بِأَيْدِيهِمْ إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْحِصَارُ، فَأَمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute