مِنْ دُخُولِ الْغَيْرِ إِلَيْهَا بَلْ هُوَ عَلَى اسْتِعْدَادٍ لِمَنْ يَغْشَاهُ فَهِيَ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ خَاوِيَةً مِنَ السَّاكِنِ مِثْلَ الْبُيُوتِ الْمُقَامَةِ
عَلَى طَرْقِ الْمُسَافِرِينَ لِنُزُولِهِمْ، كَمَا كَانَتْ بُيُوتٌ عَلَى الطَّرِيقِ بَيْنَ الْحِجَازِ وَالشَّامِ فِي طَرِيقِ التُّجَّارِ كَانُوا يَأْوُونَ إِلَيْهَا وَيَحُطُّونَ فِيهَا مَتَاعَهُمْ لِلِاسْتِرَاحَةِ ثُمَّ يَرْتَحِلُونَ عَنْهَا وَيَسْتَأْنِفُونَ سَيْرَهُمْ، وَتُسَمَّى الْخَانَاتُ جَمْعُ خَانٍ- بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ- فَهُوَ اسْمٌ مُعَرَّبٌ مِنَ الْفَارِسِيَّةِ.
وَمِثْلُهَا بُيُوتٌ كَانَتْ فِي بَعْضِ سِكَكِ الْمَدِينَةِ كَانُوا يَضَعُونَ بِهَا مَتَاعًا وَأَقْتَابًا وَقَدْ بَنَاهَا بَعْضُ مَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا وَارْتَفَقَ بِهَا غَيْرُهُمْ.
وَأَمَّا أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْبُيُوتُ مَأْهُولَةً بِأُنَاسٍ يَقْطُنُونَهَا يَأْوُونَ الْمُسَافِرِينَ وَرِحَالَهُمْ وَرَوَاحِلَهُمْ وَيَحْفَظُونَ أَمْتِعَتَهُمْ وَيُبَيِّتُونَهُمْ حَتَّى يَسْتَأْنِفُوا الْمَرْحَلَةَ مِثْلَ الْخَانَاتِ الْمَأْهُولَةِ وَالْفَنَادِقِ. وَكَذَلِكَ الْبُيُوتُ الْمَعْدُودَةُ لِبَيْعِ السِّلَعِ، وَالْحَمَّامَاتُ، وَحَوَانِيتُ التُّجَّارِ، وَكَذَلِكَ الْمَكْتَبَاتُ وَبُيُوتُ الْمُطَالَعَةِ فَهَذِهِ مَأْهُولَةٌ وَلَا تُسَمَّى مَسْكُونَةً لِأَنَّ السُّكْنَى هِيَ الْإِقَامَةُ الَّتِي يَسْكُنُ بِهَا الْمَرْءُ وَيَسْتَقِرُّ فِيهَا وَيُقِيم فِيهَا شؤونه. فَمَعْنَى قَوْلِهِ: غَيْرَ مَسْكُونَةٍ أَنَّهَا غَيْرُ مَأْهُولَةٍ عَلَى حَالَةِ الِاسْتِقْرَارِ أَوْ غَيْرُ مَأْهُولَةٍ أَلْبَتَّةَ.
وَأَمَّا الْخَوَانِيقُ (جَمْعُ خَانْقَاهْ وَيُقَالُ الْخَانْكَاتُ جُمَعُ خَانْكَاهْ) وَهِيَ مَنَازِلُ ذَاتُ بُيُوتٍ يَقْطُنُهَا طَلَبَةُ الصُّوفِيَّةِ، وَكَذَلِكَ الْمَدَارِسُ يَقْطُنُهَا طَلَبَةُ الْعِلْمِ، وَكَذَلِكَ الرُّبُطُ جَمْعُ رِبَاطٍ وَهُوَ مَأْوَى الْحُرَّاسِ عَلَى الثُّغُورِ، فَلَا اسْتِئْذَانَ بَيْنَ قُطَّانِهَا لِأَنَّهُمْ قَدْ طَرَحُوا الْكُلْفَةَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَصَارُوا كَأَهْلِ الْبَيْتِ الْوَاحِدِ وَلَكِنْ عَلَى الْغَرِيبِ عَنْهُمْ أَنْ يَسْتَأْذِنَ فِي الدُّخُولِ عَلَيْهِمْ فَيَأْذَنُ لَهُ نَاظِرُهُمْ أَوْ كَبِيرُهُمْ أَوْ مَنْ يُبَلِّغُ عَنْهُمْ.
وَقَوْلُهُ: فِيها مَتاعٌ لَكُمْ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِ بُيُوتاً.
وَالْمَتَاعُ: الْجِهَازُ مِنَ الْعُرُوضِ وَالسِّلَعِ وَالرِّحَالِ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: فِيها مَتاعٌ أَنَّ الْمَتَاعَ مَوْضُوعٌ هُنَاكَ قَبْلَ دُخُولِ الدَّاخِلِ فَلَا مَفْهُومَ لِهَذِهِ الصِّفَةِ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ مَخْرَجَ التَّنْبِيهِ عَلَى الْعُذْرِ فِي الدُّخُولِ. وَيَشْمَلُ ذَلِكَ أَنْ يَدْخُلَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute