للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَ (الَّذِينَ ظَلَمُوا) بَدَلٌ مِنْ وَاوِ الْجَمَاعَةِ لِزِيَادَةِ تَقْرِيرِ أَنَّهُمُ الْمَقْصُودُ مِنَ النَّجْوَى، وَلِمَا فِي الْمَوْصُولِ مِنَ الْإِيمَاءِ إِلَى سَبَبِ تَنَاجِيهِمْ بِمَا ذُكِرَ وَأَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ كُفْرُهُمْ وَظُلْمُهُمْ أَنْفُسَهُمْ، وَلِلنِّدَاءِ عَلَى قُبْحِ مَا هُمْ مُتَّصِفُونَ بِهِ.

وَجُمْلَةُ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ بَدَلٌ مِنَ النَّجْوَى لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَا تَنَاجَوْا بِهِ، فَهُوَ بَدَلٌ مُطَابِقٌ. وَلَيْسَتْ هِيَ كَجُمْلَةِ قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ مِنْ جُمْلَةِ فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى فِي سُورَةِ [طَهَ: ٦٢- ٦٣] فَإِنَّ تِلْكَ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ هُوَ آخِرُ مَا أَسْفَرَتْ عَلَيْهِ النَّجْوَى.

وَوَجْهُ إِسْرَارِهِمْ بِذَلِكَ الْكَلَامِ قَصْدُهُمْ أَنْ لَا يَطَّلِعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَا تَآمَرُوا بِهِ لِئَلَّا يَتَصَدَّى الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرَّدِّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ حُجَّتَهُمْ فِي ذَلِكَ وَاهِيَةٌ يَرُومُونَ بِهَا أَنْ يُضَلِّلُوا الدَّهْمَاءَ، أَوْ أَنَّهُمْ أَسَرُّوا بِذَلِكَ لِفَرِيقٍ رَأَوْا مِنْهُمْ مَخَائِلَ التَّصْدِيقِ لِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَكَاثَرَ بِمَكَّةَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا فَخَشَوْا أَنْ يَتَتَابَعَ دُخُولُ النَّاسِ فِي الْإِسْلَامِ فَاخْتَلُوا بِقَوْمٍ مَا زَالُوا عَلَى الشِّرْكِ وَنَاجَوْهُمْ بِذَلِكَ لِيُدْخِلُوا الشَّكَّ فِي قُلُوبِهِمْ.

وَالنَّجْوَى: الْمُحَادَثَةُ الْخَفِيَّةُ. وَالْإِسْرَارُ: هُوَ الْكِتْمَانُ وَالْكَلَامُ الْخَفِيُّ جِدًّا. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ فِي سُورَةِ [بَرَاءَةَ:

٧٨] ، وَتَقَدَّمَ وَجْهُ جَعْلِ النَّجْوَى مَفْعُولًا لِ أَسَرُّوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَأَسَرُّوا النَّجْوَى فِي [سُورَةِ طَهَ: ٦٢] ، أَيْ جَعَلُوا نَجْوَاهُمْ مَقْصُودَةً بِالْكِتْمَانِ وَبَالَغُوا فِي إِخْفَائِهَا لِأَنَّ شَأْنَ التَّشَاوُرِ فِي الْمُهِمِّ كِتْمَانُهُ كَيْلَا يَطَّلِعَ عَلَيْهِ الْمُخَالِفُ فَيُفْسِدَهُ.

وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ إِنْكَارِيٌّ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ خَاطَبُوا مَنْ قَارَبَ أَنْ يُصَدِّقَ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ فَكَيْفَ تُؤْمِنُونَ بِنُبُوءَتِهِ وَهُوَ أَحَدٌ مِنْكُمْ.